سفير المخيم فوق العادة

لم أتخيل أقوال الصحف الصادرة ذات صباح والسفير غير صادرة ! اين ذهب الصوت الذي انتصر على كاتم الصوت؟ وظل صدى لفلسطين الذي لا يسكت ، صوتها  سفير المخيم  فوق العادة، تبوح بخبره وبؤسه وقهره  ووجعه وأحلامه وغربته وأشواقه وهويته وفلسطينه. قصة السفير مع المخيم منذ أن أصبح ملح الخبر وخبز السياسة، وناسه لا يوجد في جيبهم قوت يومهم ولا حتى ثمن جريدة يومية كي يقرأونها. تداولنا الأفكار المختلفة لإنقاذ الموقف ولنجعلها جريدة في متناول العموم أو لمن يرغب.
يومذاك درج شعار " الثقافة للجميع"، فطرحنا السؤال : كيف نجعل من "السفير" حالة ثقافية يومية؟ ولو باختراع أشكال فريدة من نوعها، حتى قررنا الابتكار الجديد، أن نشتري عددين فقط كل يوم ونلصقها كل صباح على مجلة الحائط  الخاصة لـ "نادي الكرمل " التابع لمنظمة الشبيبة الفلسطينية. هكذا صارت تعلّق السفير على الحائط  المحاذي للشارع الساحلي الاكثر ازدحاماً بالطلبة ، كونه طريق مدارس وكالة الغوث الانروا، حيث يزحف يومياً من أمامها سيل من التلامذة بمختلف الاعمار.
"السفير" مرت من هنا، جريدة واقفة على الحائط ! والقراء يتجمهرون حولها يقرأونها بشكل جماعي ويتدافعون لمشاهدة كاريكاتير "ناجي العلي" ويهمسون ابناء مخيم نهر البارد تباهياً أنه من مخيم عين الحلوة. ولأن اللمس ممنوع، ابتدعنا غلافاً زجاجياً حتى يحمي احرفها من فضولية بعض الصّبية، صارت السفير على الجدار ونافذة زجاجية. ومرة اقترح أحد الاصدقاء رفع توصية الى ادارة " السفير " نطالب فيها بتغيير نوعية الورق، لأنه من المحتمل أن يكون السبب من نوعية الورق الرخيصة التي تتأثر سريعاً بأشعة الشمس، فتتحول الى ألوان باهتة صفراء وتضمر الأحرف وتصبح غير ظاهرة بوضوح! ولأنه طلب مستحيل وغير منطقي، وهي أصلاً لم تخصص لغرض النشر على رصيف شارع وفي الشمس. نجح الاقتراح الأكثر واقعية بتبديل مكانها الى مكان آخر في زاوية مواربة للرصيف وتحت ظل البرندة.
 يومها أحد الظرفاء دعانا ان نقرأ الصحيفة صباحاً فقط، قبل ان يصلها شعاع الشمس!  فقد تبهت ولا تصلح للقراءة وقدم نصيحة تقول:  أقرأ الخبر طازجاً قبل ان يذبل! وبعدها انتشرت المكتبات والمكاتب، فالجرائد التي تحضر للمخيم ناقصة ان كانت " السفير" ليست معهم. والمقاتل مشكوك بثقافته إن لم يدسها بجانب جعبته كبطاقة هوية، وأدعياء الثقافة يتسابقون بمعرفة عناوينها الرئيسية والفرعية وهناك من يقف عند المكتبة بإنتظارها صباحاً وحين وصولها يبدأ العبث بصفحاتها ومحاولاً اختلاس القراءة مجاناً وعلى الواقف، هكذا أصبحت عادة تستفز صاحب المكتبة. فيحصّنها أكثر بقطعة من النايلون، كي يضبط  فضولية عشاقها ويحد من جماعة القراءة المجان.
"السفير" الورقية على حيطان المخيم الى نافذة زجاجية تحمى من عين الشمس الى نافذة مضيئة، كيفما كانت ورقية او اسمنتية أو من نايلون أو زجاجية او إلكترونية، كل ذلك لا يهم، ما يهم أنها لا تزال بوضوح نبرة الصوت ذاتها ووهج الحرف المقاوم وتقاتل العتمة مع كل فجر، وأن لا تبهت مع الزمن أو تزول ألوانها الحقيقية، لأنها السفير الارضية أو الفضائية تظل الصحيفة المكتوبة بأحرف الشمس.


مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء