("كلنا فلسطينيون" لتحقيق وثيقة الوحدة الوطنية الفلسطينية)

* نص المداخلة التي قدمت في مؤتمر " نحو رؤية شاملة لإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية" بدعوة من "مسارات" في الضفة وغزة وبيروت  يوم 06/08/2016 وبحضور ومشاركة 500 شخصية سياسية وأكاديمية ونشطاء والشباب.

مروان عبد العال / لبنان


 ما أشد مضاضة  ومرارة من حدوث الانقسام هو إستمرار حالة وظروف وواقع وتداعيات الانقسام ذاته، مما بات يشي  بوضع كارثي يسعى الى تخليد الانقسام او إلى الاقتناع بما يسمى ب"متلازمة الفشل" ، بمعنى استحالة  الوصول الى المصالحة. والتي تبدأ من الاعتقاد أنه حتى لو كنّا نرغب لكننّا لا نستطيع ، بالقدر التي كرست فيه عملية المصالحة عوامل القلق واليأس والاحباط  فأنها تحولت الى عملية مستمرة  اسيرة ذهنية الاقصاء الفئوية ومنطق "الاحالة " بتحميل الاخطاء دائما للآخر، فتحولت الى لغو مقزّز لكثرة ما هو مُثقل بكل اسباب التيه ، من المناكفات والاتهامات والاتهامات المضادة  والخطاب اللفظي البعيد كل البعد عن ممارسة النقد والمراجعة الموضوعية .
 لقد انحرف اتجاه الحركة السياسية على مدار السنوات الانقسام  الأخيرة الى غير مبتغاه وتبدلت افكار وقيم  وولد جيل يسمى بات يسمى "جيل الانقسام" ، وتشوه وجه  القضية وأصبح يصوّر بغير الاهداف التي انطلق لأجلها، وفي مكان خارج موضوع  النضال الوطني الفلسطيني ، وأصبح إنسداد الافاق يسم المرحلة الرمادية التي يعيشها المشروع الوطني.
ان خط الواجب يدعونا  للعمل لمنع حالة الانهيار ، والمسؤولية الوطنية تدعونا ان لا يبقى الوضع القائم  والمرفوض على حاله، لذا ، فان الفعل المتاح الان هو درء المخاطر المحدقة  بالشعب الفلسطيني في جميع أماكن توجده وخاصة من واقع الاستبداد بحالتيه :
 أ) حالة الاحتلال الذي هو جذر الصراع  وبتماديه يجسد أعلى أشكال  الظلم والقهر ووجوده يساهم على الدوام في صناعة الاستبداد وبأبشع صوره الوحشية  والعدوانية والعنصرية والالغائية للذات الوطنية والتفكيكية للشعب والابتلاعية للارض والتصفوية للقضية والحقوق المشروعة.
 ب) الحالة الاستبداية الانقسامية،  التي فشلت حتى في ان تتلقف رسالة الجيل االجديد، بل خذلته وحرمته من اي سند سياسي ومعنوي هو يعلن بتمرده  المبدع  وبصدامه  المباشر  مع المحتل الغاصب يعيد صياغة اسس نظرية التناقض الرئيسي  للصراع ، ومن ناحية اخرى يؤكد رفضه للواقع الانقسامي  المييت للنفس والقضية وللروح ، حتى لو بشكل غير مباشر، انما اظهارها كخلاصة لتحولات النموذج السلبي للسلطة  وفي أحسن حالتها لم تستطع الفكاك من قيودها، لأنها بينت حجم  الاختلال الهيكلي والوظيفي الذي يتحكم بوجودها ودون السعي إلى تحويل الصراع عن هدفه الحقيقي ، حتى لا يصب  في طاحونة الانقسام  ويودي بما تبقى من المشروع الفلسطيني.
في المبادئ الاستراتيجية : لذلك آن الاوان  لنعاند السائد الذي يمثل الوضع  الشاذ عن كل تقاليد و روح  وتجربة  شعبنا الحيّة ، ورغم  الظروف الدولية والاقليمية  المجافية  فإنها تشكل تحدياً جدياً لفرصة جديدة  لكسر الحلقة المفرغة، عادةً الأسماك الميتة وحدها تستسلم للتيار ، أنما الاسماك الحيّة هي من تسير عكس التيار. ندفع نحو الفعل الايجابي القاضي بتجاوز اللغة السائدة  و الحديث المكرر عن مصالحة بين الفصائل الى وحدة الشعب الفلسطيني الذي هو اكبر من الفصائل وهي تمثل قوى سياسية فيه لكن دون ان تلغيه والشعب القادر على امتلاك زمام المبادرة  بوصفه مصدر كل شرعية وغاية  وتضحية  وكل فعل سياسي وارادة مقاومة ، وعبر الاستنداد الى قيم عليا ومبادئ  استراتيجية لصيانة  السياسة العليا الوطنية والتي تتضمن:
1-  اعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني كتجسيد عملي للوطنية الفلسطينية  الذي يجسد وحدة الشعب الفلسطيني  بكل مكوناته و يجد كل تجمع نفسه فيه  ومن موقعه وخصوصياته الموضوعية ولكن وفق ناظم هدفه المشترك  وغايته الجامعة والذي يشكل الوعي الجمعي بالتاريخ  سواء  ببرنامج الاجماع الوطني دون نقصان او الحق الوطني الذي  يحفظ الرواية الفلسطينية  للصراع  من كل اشكال التشويه والتزييف والتطبيع وضرب المحتوى الثقافي . وبهذا المعنى  هو  أشمل  واعمق من مسألة  المشروع السياسي  الخاص .
2- الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي تتحول في ظل الظروف الراهنة الى كونها "الهدف" أكثر منها "الوسيلة" فقط، والوحدة الايجابية  وليست السلبية، تلك  المبنية على وعي وتنظيم الاختلاف أفقيا بين التجمعات او العلاقة البينية بين الفصائل،  وعمودياً بين التجمعات ذاتها والقوى السياسية.وهدف هذه  الوحدة  التنوع وصياغة التعددية وليست هيمنة او استحواذ أو اقصاء، او وحدة التطابق الميكانيكي ، أنما وحدة تسهم في حفظ وجود وتلاحم الشعب الفلسطيني، أولا: على ارض فلسطين  التاريخية  التي تشكل الانبعاث الروحي الجاذب للحلم الفلسطيني  لتعزيز الهوية والانتماء الوطني .
3-   حماية الشخصية الوطنية الفلسطينية التي تبلورت ونمت بكفاح الشعب الفلسطيني ووجدت منظمة التحرير الفلسطينية  بمثابة الوعاء الجامع الشعب الفلسطيني في جميع اماكن تواجده او كأنه " الوطن المعنوي "  وخاصة  للذين افقدهم الشتات معنى الوطن المادي الملموس، فأفقدوا دورهم في الحركة الوطنية الفلسطينية الذي بات يخشى على ضياع المؤسسة الجامعة تمهيدا للعبث بحقه في العودة.
4-  تحقيق  معايير السياسية العليا  التي لا تكتمل مصداقيته الأستراتيجية  دون الفكرة التحررية الوطنية وقيادة  كفؤة  تحمل رسالة الحرية وعدم السماح بإسقاطها تحت مسميات شتى ، لأن الشرعية الكفاحية لا زالت  طبقاً  لسمات للمرحلة الحالية هي الاجابة الصحيحة عن سؤال تجديد الشرعية، بناء  قيادة جديدة  لمشروع  وطني اصيل وحديث ، قيادة تجمع عناصر القوة ولا تبددها ، لأن حقيقة الصراع  المركب يحتاج  لرؤية استراتيجية جامعة و متعددة  للصراع  كأساس لبناء استراتيجية  جديدة تتناسب مع خصوصيات الواقع وطبيعة  المرحلة والظروف والسياقات  التي تتحكم في مدى ومساحات الصراع زمانياً ومكانيا.ً
استراتيجية العمل :  المناشدات العاطفية والحوارات الثنائية  واللقاءات الشكلية والدعوات الموسمية  لم تعد كافية  للخروج من المأزق، او للتسابق في تحليل المعوقات وتقديم مقترحات لا تسمح حالة  التنافس السلبي الراهنة  وادوات العجز والذرائعية عن تحقيقها، بل ان الاكتفاء "بقول كلمتك وامشي"  انما يوحي كأنه مجرد سلوك الضعفاء ويشجع على التمادي والتعايش مع الواقع الراهن. لذا ارى اهمية القيام بالتالي :
أ) خلق ارادة وطنية ضاغطة على قوى الدفع السلبي  للانقسام ، اي تركيز  خطوات  الحركة على قاعدة ان موانع انهاء الانقسام هي قوى نافذة في الطرفين، لا بد من تظهيرها بوسائل عدة  وان لا نمكن المستفيد من الانقسام  ان يختبئ وراء العصبوية التنظيمية ، او يخلق لنفسه شعبية وهمية، المفتاح الحقيقي لأي حركة  تستند الى مبدأ ليس في عدد الاعداء الذين قد تخلقهم  بل إن المفتاح الحقيقي في عدد الحلفاء الذين يجب ان تكسبهم.
ب) خلق إرادة شعبية  تستند الى قوة  الضغط  الشعبي من جهة  وقوة  التأثير بوسائل  التواصل الاجتماعي الفعال القائم على القوة الجاذبة  مستندة الى نموذج الفعل المتراكم بالاغواء وليس الارغام . مع الحذر الشديد من محاولة تحويلها الى قوة  شغب، بقصد تقليص دورها من خلال النفور منها من أجل تدمير الرسالة الحقيقية لها.
اي حركة ارادة شعبية قوتها بأن تكون عابرة  للجغرافيا أي في كل اماكن تواجد الشعب الفلسطيني ولا تنحصر بقوة سياسية واحدة  وتتوحد بمطلب جامع  لكل الشعب ويشكل المصلحة العليا وهو استعادة واصلاح وبناء وتطوير وتحديث منظمة التحرير الفلسطينية وقيام المشروع الوطني الفلسطيني بمضمونه التحرري والديمقراطي الذي يحشد وحدة الشعب ويشرك فئاته وتجمعاته وقواه في صف واحد . عبر اجندة سنوية تنظم حركتها على اساس متنوع ومن خلال تخصيص تحرك "ضد الانقسام"  في يوم واحد محدد من كل شهر  .
ج)   تأطير قوة ارادة معنوية  تستند الى شخصيات مؤثرة لها سلطة معنوية وازنة وطنياً وسمعة اخلاقية  ونضالية  وثقافية  تقوم  باستخدام القوة الاقناعية  للجذب والتأثير من خلال منابر اعلامية وعرائض ومحطات مسموعة ومرئية ومكتوبة لإحداث الإضافة المطلوبة من الفئات والقطاعات والقوى النافذة و الضاغطة وغير المتوقعة.
د) تشكيل لجنة متابعة عليا  فلسطينية، " كلنّا فلسطينيون" من أجل الوحدة الوطنية وفي وجه التشتيت بكل أقسامه من مناقصات مدمرة ومفاوضات عبثية والانقسام بكل ابعاده  الفئوية والسلطوية، وحكماً  ليست جبهة جديدة ولا هي جبهة  ثالثة  ورابعة، ولن تكون وظيفتها في القيام التصادم مع اي طرف، بل هي تيار عام أو كتلة تاريخية  يشق  طريقه لتوحيد الكل الوطني مستنداً الى كل مكونات المشروع الوطني الفلسطيني من الداخل وداخل الداخل والقدس والشتات القريب والبعيد، تستند للمحفزات الوطنية لإطلاق طاقات جديدة مثل اسناد الحركة الاسيرة او ايام نضالية ووطنية وتفعيل الاداء الوطني والشعبي حيالها. ومهمة تنظيمية من خلال التنسيق وتوجيه وتقييم الحركة  وفق الوقائع  الذي صاغته حوارات جادة وواسعة وثرية افضت الى وثيقة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتحويلها الى عمل وممارسة وإليات تستند الى أدوات ومبادئ واستراتيجة عمل من اجل تحقيقها.
 .....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء