إسكندر حبش: «60 مليون زهرة» رواية فلسطينية تعتمد على التاريخ
حين نحت الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا مصطلح "الحقيقة عبر الكذب"، لم يكن يقصد بذلك أن "الكذب" هو الذي يجب أن يشكل عماد الحياة لترتكز عليه، بل كان يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير.
صحيح أنه انطلق في كلامه هذا من تأملاته في قضايا الرواية المعاصرة، إلا أنه حاول أن يفكر في علاقة الرواية بالتاريخ، لهذا وجد أن الأدب يمكن له أن يقدم رؤية أخرى لكل ما هو ثابت، لكل ما هو متفق عليه. بمعنى آخر، كان يجد أن الأدب يملك شرطة الخاص الذي يفوق كلّ الشروط الأخرى.
وأضاف: كلام الروائي البيروفي هذا، يجعلنا نعيد التفكير بالكثير من الأشياء، على الأقل علينا أن نعيد التفكير بأمر أساسي حين نجد رواية تستعيد أرضا وأحداثا ونضالا.
أقصد حين نقرأ رواية مشابهة علينا أن لا نبحث عن الحقائق التاريخية في الأدب، بل أن نقرأ الأدب على أنه هو الحقيقة المطلقة، فالرواية لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تكون تاريخا مجردا، بل علينا أن ننساق إلى منطقها الخاص، وعلى الرغم من أننا نعرف أحيانا الحادثة التاريخية، إلا أنه علينا أن نصدق الروائي، بمعنى أن نقرأه هو، أن نقرأ قصته هو، لا أن نبحث فيها عمّا هو حقيقي أو غير حقيقي.
واستطرد قائلا: قد يكون الحقيقي هو الواقع، أما "الكذب" فالمقصود به المتخيل ولا يستقيم أي أدب روائي – بالرغم من كل واقعيته – إلا عبر هذا المتخيل الذي يجعلنا نعيد التفكير بكلّ شيء، لأنه هو عماد هذه الرؤية الخاصة التي يطرحها الكاتب في رواياته. من هذا المفهوم.
أعتقد، أن علينا أن ندخل إلى رواية مروان عبد العال الصادرة حديثا بعنوان "60 مليون زهرة"، إذ أجدها من أكثر رواياته التي يفرد فيها مساحة للمتخيل لا للخيال، فالمتخيل هو جوهر الكتابة، وعالمها، ورؤيتها ومناخها.
واعتبر حبش أنه منذ البداية يطالعنا هذا المتخيل حين يحول الجندي المجهول إلى الشخصية الأساسية في الرواية، يقول عنه (ص 17) " ولدت.. ولم يكن في فمي ملعقة ذهب، إنما بيدي بندقية "الكارل غوستاف"، أشير باصبع اليد الأخرى إلى الشمال، سأظل الجندي الشاهد على ما يجري.." هذه الموازنة بين التمثال الحجري والإنسان، التي يقيمها الكاتب، تفتح أمام الروائي، حقولا من الرؤى التي يعيد من خلالها صوغ كل أفكاره.
و يمكن لنا أن نسمي ذلك، اصطلاحا، تخييلا ذاتيا، بمعنى أنه حين يجعل الراوي هو التمثال وكأننا نقع على سيرة حياة. لا أقول إنها سيرة ذاتية أبدا، بل إن مفهوم "التخييل الذاتي" مثلما حدده نقاد الأدب، يكمن في أن الكاتب وانطلاقا من أحداث شخصية، يعيد صوغ رؤية مخالفة للواقع الضيق ليعطيه بعدا إنسانيا أعمق.
وأشار إلى أن كل رواية مروان عبد العال تقع في هذا الشرط، كيف يمكن إضفاء هذا البُعد الإنساني على هذا المناضل، على هذا الجندي، على هذا المكان.
تابع: نعرف جيدا أن قسما كبيرا من الأدب الفلسطيني، كان ولفترة طويلة، مقيدا بشرطة التاريخي. ثمة تفاصيل لا يمكن التخلي عنها، إن جاز القول. الواقع المطلق يفرض ذلك. لا أقول إن مروان عبد العال تخلى عنه، أي عن هذا الشرط التاريخي، وإنما حاول أن يبحث له هنا عن مقترب آخر، عن مفهوم آخر. لهذا جاء المتخيل كوسيلة حقيقية ليطرح هموم الوطن والناس والنضال والحرب.
تعليقات
إرسال تعليق