متهم وضحية
رواية إيفان الفلسطيني / من سلسلة المقالات التي
كُتبت بعيون تلامذة في معهد المرسى بالعاصمة التونسيّة: (2)
بقلم : رحاب عمري
"طالبة في الثاني ثانوي / تونس"
نستطيع الجزم بأن من أهمّ القضايا التي شهدتها الإنسانية في تاريخها المعاصر وطال بها المدى هي القضية الفلسطينية. والتي لا يمكن وصفها إلا بكونها مسرحية تراجيدية تنقل صراعا بين قوى الخير والشر، مما يجعل المشاهدين فاغري الفم، تتلبس عقولهم نقاط استفهام حول كيفية نهاية هذه المسرحية المأساوية؟
ولكن القضية الفلسطينية لم تكن يوما مسرحية، وان كانت تشبهها في بعض ملامحها.. القضية الفلسطينية حرب مشتعلة بين طرفين، اختلفت العرب و الغرب أيّ من الطرفين على حق.. وأي منهما ضحيّة الآخر.. الفلسطينيون أم الإسرائيليون، أو، كما يتداول على مسامعنا، العرب أم اليهود؟ العرب أم الكيان الصهيوني المغتصب؟ أو، ولما لا نستعمل عبارة الكاتب الفلسطيني مروان عبد العال في روايته ''ايقان الفلسطيني" ''النمل الأسود أو النمل الأحمر"؟ رواية شغلني عنوانها فقررت أن أبحر بين أسطرها. ''ايقان الفلسطيني'' ولا أدري إن جذبتني كلمة ''فلسطينيّ" نظرا لاهتمامنا نحن العرب الاشقاء بالقضية الفلسطينية.. ربّما.. ولكنّني متيقنة أن ما جذبني هو التناقض بين الاسم والهوية ''ايفان'' ''الفلسطيني''. فهل أجابني مضمون الرواية عن تساؤلي و حيرتي؟
عندما يقرر الروائيون العرب، غالبا، الكتابة في شان القضية الفلسطينية فإنّ البطل يكون فدائيا، حيث نرصد فيها جميع حركاته وبطولاته والمخاطر التي تعرض لها أثناء المقاومة، وحالة بقية الشخصيات في مواكبة تلك الأحداث. أما كاتبنا "مروان عبد العال" فقد اختار الابتعاد عن المألوف و المعتاد وقرر تكريس كل روايته في الغوص في أعماق شخصية من طينة وسياق مختلفين. رجل فلسطيني ليس ككل الرجال الذين لم يفطموا بعد على الوطنية مند أكثر من ستين سنة. هذا الفلسطيني هو عرب المتمرد عرب المتحوّل .. عرب الذي حولته أنانيته أو ربما أحلامه الصبيانية أو الشهوانية إلى ضحية نفسه الحائرة المضطربة.
لقد نشا هذا الصراع الداخلي منذ أن أيقن عرب أنه لا يصلح للمقاومة، أو لا يريد أن يخسر حياة تنتظره من أجل هذه المقاومة، مما أدى به إلى رفض نفسه كفلسطيني، أو بصفة أوضح رفض نفسه كمضطهد حرم منذ نعومة أظافره من سقف آجر لا تتعداه قطرات الندى وحتى من السكر الذي يذوب في الحلق. شخصية عرب هي شخصية قررت التجرد من هويتها تدريجيا بالسفر ثم بمحو بصمات أصابعه، ثم بتغيير اسمه من عرب إلى ايفان طوعا أو كرها. و إن تألّم هو بذاته لهذا الأمر حيث أراد الهروب من عالم الدمار والنيران والمقاومة على خلاف صديقه صخر الذي يمثل المثل الأعلى للفدائي الملتزم بالقضية. لقد هرب إيفان إلى جنات الغرب حيث الحرية و الذات المستقلة. كان يهرب وقد مر بعدة محطات في رحلة الهروب. لكنّ الماضي لا زال يتبعه والضمير لا زال يلازمه. ينهاه عن جرمه، وان كان المتهم ضحية. وفي كنف الأحداث المتداخلة التي تتفرع منها الحيرة تارة ونقاط استفهام تارة أخرى، تمتزج الشخصيتان عرب الفلسطيني بايفان الألماني، فيتولد صراع لا ينتهي بين النفس التي تنجذب نحو الهوية والذات الأصلية والنفس التي تتوق إلى الحرية والعيش الكريم.
وبذلك نرى أنّ شخصية ايفان تكمن في روح كلّ فلسطيني ممزّق بين ذاته وواجبه بين حاضره وماضيه بين هويّة فرضت نفسها عليها وهويّات تستدرجه أو تستغويه. وخاصّة بعد أن استفاق من غفوته وقرر العودة بنفسه إلى ماضيه حيث الأم والأب والأهل والأحباب والفدائي.. حيث الأرض والشاة وقصب السكر وبنت الجارة الخجول وحيث المستعمر. نعم المستعمر الذي هو جزء من واقع كل فلسطينيّ.. واقع مرير عليه مواجهته وأن يكون هو عرب وإن ساقته نفسه إلى الضفة الأخرى فعليه أن يواصل الطريق وأن يقبل بكل اعتزاز انّه فلسطيني وانّه عرب.. و فخامة الاسم تكفي.
تعليقات
إرسال تعليق