عرب والطفولة المغتصبة
رواية إيفان الفلسطيني بعيون تلامذة مدرسة تونسيّة: (3)
عرب والطفولة المغتصبة
بقلم : مريم بوزكري (السنة الثانية الثانوي –علوم)
حكاية عرب في رواية ايفان هي مأساة الفلسطيني الذي يخلق منفاه خلقا ثم يهدمه ويبني آخر كلما ازداد الأوّل ضيقا وكاد يمحي الحدّ الوهميّ الفاصل بين المنفى والوطن المفقود. فكأنما المنفى هو مجرد جلد يستبدل كاستبدال الأفعى جلدها.
أما الرحلة القاسية في المنافي فقد بدأت منذ اغتصاب تاريخ ميلاد هذا الطفل الفلسطيني. فقد ولد عرب فعليا سنة 1951 في خيام منصوبة بين الصبّار وتلال مليئة بشجيرات الخروع في مخيم لللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من بلادهم اثر فجيعة النكبة، أولئك الذين تركوا أراضيهم وذكرياتهم الحلوة والمرة وتفرقت عائلاتهم سعيا وراء النجاة والبقاء . فلو كان بإمكانهم وضع كل تلك الذكريات في صندوق لأخذوها معهم. لكنهم مجبرون على الرحيل وتركها لبداية حياة جديدة قاسية بعيدة كلّ البعد عمّا عاهدوه. ولكن. من مغتصب طفولة عرب؟ هل هو الاستعمار؟ التهجير؟ أم الأسرة؟ إني أرى أنّ مغتصب طفولة عرب هما والده. فقد اغتصبت طفولته حين غير هذا الرجل اللبق ذو الوجه النحاسي الداهش تاريخ ميلاد ابنه وعاد به ثلاث سنوات إلى الخلف و ''بجرة قلم و برمة لسان'' وأما السبب فقد كان أتفه من التافه بالنسبة إلى عرب. ومن البيّن أنّ الأب لم يدرك حجم فعلته والعواقب التي يمكن أن تنجر عن كذبه على السّجلات وعلى ابنه. وكلّ هذا لمجرد الحصول على جزمة ولكن كيف لهذا "البوط" أن يعود بعقارب الساعة ثلاث سنوات إلى الوراء؟ وما العلاقة بين هذا البوط الخارق الذي تمكن من العودة في الزمن وبين العمر ؟
لقد كان هذا البوط الضرورة الحياتية لأطفال الخيام الذين اقتلعوا من جذورهم وهجروا ودمرت حياتهم منذ قدومهم إلى هذه الدنيا القاسية. فالبيئة التي نشؤوا بها كان يخيم عليها الخوف والحزن واللوعة والحسرة والآلام والآمال المعلقة في العدم والراكضة وراء اللاجدوى. كلها عوامل أثرت سلبيا على طفولة هؤلاء الأطفال البريئة خاصّة عرب. فلم يكتفي الواقع باغتصاب وطنه فقط، بل تجاوزه إلى العمر والهوية. فقد دُمر هذا البريء منذ الطفولة تدريجيا.. فوالداه صارا يتصرفان بطريقة يريدان من خلالها استعجال رجولة ابنهما بسرعة خيالية ''ليكون رجلا قبل وقته عاشقا قبل ميعاده مقاتلا قبل ساعته'' ولكن لم كل هذا الاستعجال الرهيب؟ الم يكتفي والده بفعلته(تأخير تاريخ ميلاده) التي نعلم كيف أثرت سلبيا في شخصية البطل؟ ولما استعجلوه هو فقط؟ لم لمْ يستعجلوا أمر أخواته البنات الستة مكانه أو إضافة له؟ فانا لا أرى فرقا يمنعهن من أن يكنّ مثله. ولكنها طبيعة المجتمع الذكوريّ المحافظ في وطننا العربي التي تبرر مثل ذلك التمييز.
وهكذا صار عرب في جفوة متعمقة تدريجيا مع والده وتدهورت علاقته به. ولهذا نجده متعلقا بوالدته تعلقا شديدا، كتعلقها بذلك المفتاح الذي يتدلّى من رقبتها. وكأنما هو بصدد تعويض حبّه لوالده. لقد كان مصيره منذ الطفولة مبنيا على آمال والديه ورغبتهما الشديدة في تشكيل شخصيته ومصيره. نعم إرادة والديه لا إرادته هو. فقد قاما بالقضاء على أحلامه وطموحاته، ليقوما بتأطيره وفقا لطريقتهم الخاصّة التي أرادا من خلالها أن يكبر ابنهما بسرعة قياسية ليعمل بشكل إجباري في زريبة بقر والده للحصول على قدر قليل من البقشيش. ثم ليتجوز هنية ابنة خالته. ليصبح عرب مقيدا ومحاصرا بين الرغبة الشديدة التي يفرضها والده الملتزم وبين أحلامه التي لا يدرك كيفية ادراكها. ولكن ما الذي دفعهما إلى تأطيره وفقا لإرادتهما؟ أهي رغبتهما في تعليمه كيفية تحمل المسؤولية؟ أم بسبب التهجير والمنافي؟ أم بسبب الخوف من المصير؟ وكيف كانت ردة فعل عرب الفلسطينيّ؟
أصبح عرب ممارسا لهوايات لعينة كالتدخين والسكر ومشاهدة الأفلام الإباحية. وحتى الهروب من المدرسة اتخذها هواية. فقد أراد هذه الأخير التحرّر باكرا من المسؤولية بدءا بترك مقاعد الدراسة. كما انه لم يرغب في النمو على مهل. و بالرغم من البيئة التي نشا فيها فقد أحب الحياة وأحبّ الوطن الحقيقي، لا ذلك الذي يقرأ في القصص الخيالية. وقد كان لصديقه صخر في هذه الطفولة مكانة هامة.إذ كان رفيق دربه و صندوق أسراره. وقد تناولا في أحاديثهما السياسية إضافة الى حياة اللهو والهوى. ولولا جهل والده بهذه الأحاديث وبما يقوم به لاعتبره من صنف الشياطين. كما قام مع شلة من الأطفال بتمثيل مسرحية أخذت تارة منحى تراجيديا جسّد معاناتهم، وتارة أخرى أخذت منحى كوميديا لتخفف الآلام والمعاناة. وهو ما يفسر تأثير حال الوطن في نفس عرب وبقية الأطفال الفلسطنيين.
فقد كانت هذه الطفولة كما يقول عرب مهدودة مثل نسائم الماء ساعية إلى القطيعة فالتمرد على التقاليد كإبراز لذاتها وجودها وسعيا وراء عيش السعادة لحظه بلحظة من أجل التخلص من أوجاعه المكبوتة وتحقيق أحلامه وطموحاته المغتصبة.
تعليقات
إرسال تعليق