بانوراما المَنْفى فِي تَرَانِيمِ غَسَّان وهبه..
( نص كلمتي في حفل توقيع الصديق الصحافي والأستاذ الجامعي الدكتور غسان وهبة روايته “ترانيم الضفاف”، وذلك يوم الاثنين الواقع فيه 10 نيسان 2017، في القاعة الزجاجية – غرفة التجارة والصناعة في مدينة طرابلس /الشمال، بحضور حشد من الزملاء في حقل الاعلام والتعليم الجامعي واهل الثقافة، والفكر والسياسية …..وشارك فيها: رئيس غرفة التجارة والصناعة توفيق الدبوسي، د. وفاء شعراني، د. إياد عبيد، د . منال عبس، د. وديعة الأميوني)
تَحِيَّةٌ وَاِعْتِذَارٌ وَتَهْنِئَةٌ وَشَهَادَةٌ.
لِأَنَّ الوَقْتَ غَدَرَنِي فَأَعَاقَ حُضُورَي فَوَجَبَ اِعْتِذَارِي، لَكِنَّهُ حَتْمًا لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ أَنْ أُقَدِّمَ بِطَاقَةُ تَهْنِئَةٍ وَبَاقَةُ حُبٍّ بِمِيلَادِ الإِبْدَاعِ الجَدِيدِ تَرَانِيمِ الضِّفَافِ.
وَاِشْهَدْ انني أَحْبَبْتُ وقع التَّرَانِيم عَلَى حَوَافِّي الضِّفَافِ، وَأَقَرّ أَنَّ الصَّدِيقَ المُدْهِش غَسَّان وَهِبَه اِبْنُ الضِّفَافِ وَاِبْنُ المَنْفَى اِسْتَحَقَّ اليوم أَنْ يَكُونَ اِبْنُ الكار أَيْضًا. وَاِعْتَرف أَنَّنِي لَمْ أَنْجَحْ بِالبَقَاءِ خَارِجَ النُّصُّ، وَهَا أَنَا أَقْرَأُ فَأُكْتَبُ ثُمَّ أَدْخَلَ النُّصُّ منخرطاً أخترت التورط فيه حُبًّا وَطَوَاعِيَّةً.
لِمَ لَا؟ وَفِي البَدْءِ كَانَ المُخَيَّمُ، أَوْ فِي البَدْءِ كَانَ القِطَارُ، كَانَتْ النَّكْبَةُ فكان القطار هو الشاهد على الحقيقة القاسية. وعندما طالَ إنتظارهُ صار خيالاً بعيد المنال . مِنْ رَمْزِيَّةِ البِدَايَةِ فِي السَّطْرِ الأَوَّلِ من النص يكتب "أَكْوَاخُ الضِّفَافِ، عَالِمٌ خَارِجَ العَالَمِ، عَالِمٌ تَتَدَاخَلُ وَتَتَشَابَكُ فِيهِ القِصَصُ، مَكَانٌ فَرِيدٌ بِتَنَاقُضَاتِه، مِيَاهُ النَّهْرِ البَارِدَةُ.... آلَخ" إِلَى النِّهَايَةِ فِي الكَثَافَةِ الفِعْلِيَّةِ فِي السَّطْرِ الأَخِيرِ "إِلَى صَفِيرِ القِطَارِ المَوْعُودِ جَاهِزٌ لِلصُّعُودِ إِلَى حَيْثُ شَجَرَةِ الأَحْلَامِ، جُلَّ الحَشَدُ أَوْ كُلُّهُ كَانُوا مِنْ حُرَّاسِ النُّورَ"..
وَعَنْ المُخَيَّمِ وَالضِّفَافِ وَالأَكْوَاخِ وَالقِطَارِ وَالسِّكَّةِ وَالقَرَارِ
ذَاتَ يَوْمٍ فِي المُخَيَّمِ، زَارنا الرَّاحِلُ الكَبِيرُ المَرْحُوم شَفِيقُ الحُوت . أَثْنَاءَ سَيْرِنَا مِنْ مَكَانِ النَّدْوَةِ إِلَى البَيْتِ، شَاهِدَ سِكَّةِ حَدِيدٍ قَدِيمَةٍ عِنْدَ تُخُومِ المُخَيَّمِ، فَاِسْتَعَادَ رُبَّمَا ذِكْرَى مَا فِي زَمَنٍ مَا. توقف بُرهة مستهجناً وَسَأَلَنِي:
- هَلْ هَذِهِ سِكَّةُ القِطَارِ؟ يَعْنِي النَّاسُ جَاءَتْ مِنْ فِلَسْطِين بِالقِطَارِ إِلَى هُنَا؟ أَجَبْتُ:
- نَعَمْ، وَمِنْ نزل منه هُنَا صَارَ مُخَيَّمًا وَالقِطَار يَسِيرُ فِي كُلِّ مَحَطَّةٍ أَقَامُوا فَصَنَعُوا مُخَيَّمًا، وَكَانَ مُخَيَّم النيرب قُرْبَ مَدِينَة حَلَب هُوَ المُخَيَّمُ الأَخِيرُ فِي الرِّحْلَةِ. فَرَدَ مُسْتَنْكِرًا:
- لَكِنَّ القِطَار الَّذِي حَمَلْنَا إِلَى هُنَا! لِمَاذَا لَا يَعُودُ بِنَا لِلوَرَاءِ؟
- وَهِلَ نَحْنُ نَسْتَحِقُّ هذه العَوْدَةَ لِلوَرَاءِ؟
- حَتْمًا عِنْدَمَا يَرْجِعُ القِطَارُ سَنَعُودُ إِلَى الوَرَاءِ لِأَنَّهُ الوَطَنُ... وَسَأَلَتْهُ:
- عِنْدَمَا يَأْتِي القَرَارُ أُمٌّ يَأْتِي القِطَارُ؟!!
بانوراما غَسَّان وَهَبَه تَنْتَسِبُ إِلَى أَدَبِ المَنْفَى وَتُبَشِّرُ بِوَعْيٍ الشتات المتجدّد وَبِأُسْلُوبٍ شَيِّقٍ وَحَدِيثٍ مُفْعَمٍ بِالتَّجَلِّي وَالمُونُولُوجِ الدَّاخِلِيِّ وَبِمشاهد قصصية بسردية شَعِرِيَّةٌ مُتَسَلْسِلَةٌ. الشَّخْصِيَّاتُ الأَسَاسِيَّةُ تَحْضُرُ دُونَ اِسْتِدْعَاءٍ، بَلْ عَنْ طَرِيقِ المُشَارَكَةِ فِي أَفْكَارِهِمْ الأَشَدُّ خُصُوصِيَّةٍ..
بانوراما تطلق صفير القطار كي لا يظل وهماً أو صدى يتردد ولا يعود. لذلك هي تحذيرات تُشَبِّهُ الهذيان أَحْيَانًا أَوْ صَرْخَةُ وَصْفُهَا الكَاتِبُ أَنَّهَا "ضَجِيجُ الفِكْرَةِ فِي رَأْسِي وَأَلَمُ مَخَاضِ الوِلَادَةِ، وَجَعِي، غَضَبِي إِنْ أَثَارَ سُؤَالًا يَكْفِي".
بانوراما مِنْ مجسّات سَمْعِيَّةٌ تُرْصِدُ مَا يَدُورُ فِي أَذْهَانِ القَارِئِ وَتَنْطِقُ بِلِسَانِ الأَبْطَالِ، لِذَلِكَ تَرَكَ النّص حَقَائِقَ الشَّخْصِيَّاتِ تَظْهَرُ تِلْقَائِيًّا، مِنْ حَامِدَ السِّيَاسِيُّ والفيلسوف وبائع الخضار وفريد والحاج لطفي وسميرة إِلَى سوبرمان إِلَى شَيْخِ الزَّاوِيَةِ يوسف و خالد وابو محمود صاحب البقالة وَسَمِيرُ الهَائِمُ بَيْنَ الدَّرَاوِيشَ وشكيب المجنون إِلَى آخَرِ الرُّومَانْسِيَّةِ المُبْكِيَةِ، وَأُكَثِّرُهَا فَظَاعَةٌ عِنْدَمَا تَبْدُو لَنَا كَمَرْثِيَةٍ عَاطِفِيَّةٍ لَكِنْ بِدُونِ عَاطِفِة.
بانوراما تَكْتُبُ رُوحَ المَكَانِ بِأَمَلٍ لَا يَقْطَعُهُ سكين الأَلَم "أَزِقَّةُ المَنْفَى القسرِيِّ، زواريب الحَرَمَانِ، رَغِيفُ الخَبْزِ، الإِصْرَارُ عَلَى العَيْشِ مَعَ الذَّاكِرَةِ سِرًّا لكبرياءٍ اِنْحَنَى وَلَمْ يَنْكَسِرْ".
بانوراما الرُّوحُ فِي تَرَانِيمِ غَسَّان وَهِبَة وَعَبْرَ سَرْدٍ دَاخِلِيٌّ تموج فِيهِ الأَفْكَارُ وَالتَّهْوِيمَاتُ وَالتَّسَاؤُلَاتُ وَالتَّأَمُّلَاتُ وَتَتَجَلَّى المُدْهِشُ بُقُولُهُ "غَرِيبٌ أَمْرُ أَكْوَاخِ الضِّفَافِ المُتَلَاصِقَةِ عَلَى عُدَّةِ مِئَاتٍ مِنْ الأَمْتَارِ، كَيْفَ تَحَوَّلَتْ إِلَى مَلْعَبٍ لِفِعْلٍ إِنْسَانِيٍّ تُسَابِقُ فِيهِ التَّطَلُّعَاتُ الخَوْفُ وَالفَقْرُ وَالقَهْرُ، سِبَاقٌ مَجْنُونٌ يُثِيرُ الدَّهْشَةَ، دَهْشَةٌ تَتَلَاشَى مَعَ إِنْجَازَاتٍ أَقْرَبُ إِلَى المُعْجِزَاتِ"..
ثمّ تَنْطَلِقُ الرِّوَايَةُ / القَصِيدَةُ فِي بِنَاءِ يتكئ عَلَى سُيُولَةِ الزَّمَنِ، حَيْثُ تَنْتَقِلُ المَشَاهِدُ مِنْ حَدَثٍ إِلَى آخَرَ، وَلَكِنْ فِي إِطَارٍ دَائِرِيٍّ مُحْكَمٍ، يَجْعَلُ النّص يكسر نَمَطِيَّةَ الحِكَايَةِ العَادِيَّةِ وَيَخْرج عَنْ التَّقْلِيدِيَّةِ المَبْنِيَّةِ عَلَى التَّسَلْسُلِ الزَّمَنِيِّ لِلأَحْدَاثِ، لِتَأْخُذْ شَكْلَ الرِّوَايَةِ الدَّائِرِيَّةِ. رُبَّمَا كُلُّ شَيْءٍ يَنْتَهِي إِلَى بِدَايَتِهِ!.
هَكَذَا يَا صَدِيقي لَا زَالَتْ أَكْوَاخُ الضِّفَافِ تترقب صفير القِطَارِ... سَنَعُودُ صُعُودًا إِلَى شَجَرَةِ الأَحْلَامِ أَوْ الوَطَنِ الَّذِي يَرنو إِلَى قدوم حُرَّاس النُّورُ، وَدُمْتَ مُتَأَلِّقًا حارساً للنور عَلَى جَبْهَةِ الحِلْمِ ..
مروان عبد العال
٦ نيسان ٢٠١٧/ نهر البارد
تعليقات
إرسال تعليق