"شنغاهاي" بين جنّة وأخرى





مروان عبد العال

 2017 /4/ 19


 "الاشتراكية لا تعني الفقر" هكذا بدأ مسؤول كبير في مدينة "شانغهاي" استقباله لوفدٍ رفيع المستوى من قادة الاحزاب اليسارية  من 21 حزبا من 9 دول عربية  ، وحين  اراد ان يوضح  روح البناء كان يرمز لها بفكرة الهندسة ، بعبارةٍ  لا تخلو من روح الدعابة بقوله  " الهندسة تحل المعضلات بينما المحاماة  تفتش عنها فقط". وذلك في مقاربة بين اداء السياسة الامريكية  والاداء الصيني وان الصين تستثمر  بالعلم الحديث  في بعثات دراسة الى كل جامعات العالم الغربي وفي مقاربة ربما لم يقصدها بالضبط لتعبير فلاديمير  لينين " الأمّيون لا يصنعون الكهرباء". 

صدمة النظرة الاولى  في سحر مدينة ترغمك  بإغرائها الى التعرف على خصوصتها ومكوناتها . سر مدينة  خرافية تغار من "هونغ كونغ " التي سرقت بريقها يوماً، فتستعيد بعضها لتنافس مدينة "نيويورك" بناطحات السحب، حيث يوجد فيها أكثر من 4500 ناطحة سحاب شاهقة ، يبلغ ارتفاع أعلاها 488 متراً. والدهشة عندما تعلم انها في الاصل كانت مدينة صيد صغيرة . وحتى القرن الثامن عشر، لم يكن لها شأنٌ يُذكر في تاريخ البلاد ، وفي عام 1842، وبعد "إتفاقية نانكين"، بدأت المدينة عهداً جديد.

خصوصيتها التاريخية  ان " شانغهاي" كانت منطقة امتيازات بريطانية. ونالت كل من فرنسا والولايات المتحدة على امتيازات مماثلة في المدينة. الامر يعود الى المناخ  المناسب  لأستثمار المال و البنوك والشركات التجارة العالمية لأنها كانت تقع تحت الإدارة الغربية اصلاً. عبر عنها باحث من معهد الكوادر في بكين بوصفه للاشتراكية ذات الخصائص الصينية انها دولة بناظمين اشتراكي ورأسمالي

 مزيج بين اتجاهين، ولوحة تتماوج الحياة  فيها بثنائية متعاكسة في ناحية ومتعايشة ومتجاورة في اخرى ، من  شكل الملكية الجماعية في مزراع مقاطعة جنوبية وتنبض بالروح الجماعية الاشتراكية وتجد تلك الابتسامة المتدفقة في الروح الريفية من قلب الحياة البسيطة هناك ويفسرها لي احدهم بقوله "اننا هنا نعمل سوياً لتكون بلادنا جميلة  فتصبح حياتنا أجمل ". 

هناك تصعد درجات نحو قمة الجبل لتشاهد الجنة في الاسفل  وتنظرها بالعين المجردة لأنها على الارض  وليس تلك الموعودة بالسماء ممن لوثوا زرقتها وقدسيتها، هنا جنة اخرى في حلقات الرقص وسدود مياه جبارة وبيوت نموذجية وحقول شجيرات الشاي الفاخر. وجوه ناصعة ، نظرات خجولة واصوات أليفه تعزف كخرير الماء المنساب بين شقوق صخر جبالها

وهنا في "شنغاهايستظل تبحث عنها في شموخ الابنية والاسواق العملاقة وتبحث عن الجنة في السماء حيث تتعلق العيون في الاعلى ، وهنا للرأسمالية اعمدتها وهياكلها وابنيتها وقيمها ومفرداتها سوقها وآلياتها. هناك عالم  اسطوري اعتقدنا انه بالخيال وهنا تنين يزحف كالعواصم الكبرى  دائما تذكرك انك مجرد عابر فيها حتى او كنت ساكنها ، فكيف ان كنت زائراً  ليومين في مدينة مزدحمة يتجاوز سكانها 25 مليون نسمه، رغم أن مساحتها لا تتجاوز 6340 كيلومترا مربعا، وانك في أكبر مركز اقتصادي وفيها أكبر ميناء في بر الصين الرئيسي وتحتل المراكز المتقدمة من حيث قيمة الإنتاج الصناعي والزراعي وقيمة الصادرات وقدرة الشحن والتفريغ في ميناءها.

خصوصيتها الجغرافية او ما يسمى بعبقرية المكان، انها تقع جنوب مصب نهر اليانغتسي، وهو احدى قنوات المياه الرئيسية في الصين، ويخترقها نهر هوانغبو آخر روافد نهر اليانغتسي. ويمتد ميناء شانغهاي على طول النهر

يقال " لا ميناء شانغهاي بدون نهر هوانغبو ولا شانغهاي الكبرى بدون ميناء شانغهاي" .. هي  مهد الصناعات الحديثة الصينية

بعد حرب الأفيون عام 1840، تدفقت الاستثمارات الأجنبية على "شانغهاي" التي سرعان ما أصبحت أكبر مركز مالي في الشرق الأقصى، وظهرت في الوقت نفسه صناعات الغزل والنسيج والماكينات والأغذية وغيرها، وأصبحت مركزاً تجاريا أيضا. فهي أكبر قاعدة صناعية في جمهورية الصين الشعبية. مفتاح الجنة  يكون بيد من يمتلك الارادة ،  تلك التي وصفها الرفيق ماو تسي تونغ بقوله :" ينبغي ان نزيل من صفوفنا كل  تفكير قوامه الضعف والعجز ان  كل  رأي يبالغ  في  قوة  العـدو  ويستصغر  قوة  الشعب هو راي  خاطىء "... 

لكن لا ادري ما سيقوله  لي الرصيف المزدحم بالمارة  في اليوم الاخير لعابرٍ في لحظة الوداع!؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قلم أخضر

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

ميدوسا": خِزَانَة تَجْر الْبِلَاد اليوم الثامن