"شيرديل الثاني " رواية ترتقي الى درجة الملحمة الانسانية !


 رفيقي العزيز ، ســــلام

أتممت قراءة الرواية التي كتبتها تحت عنوان شيرديل الثاني ونشرتها بدار الفارابي سنة 2013 وتفضلت بإهدائها لي ذات مرور لك بتونس في شهر مارس - آذار 2017 ، بل لعلني أعدت قراءة بعض مقاطعها لأن كل كلمة فيها حبلى بمعانيها الحضارية والنضالية والتاريخية، وكل جملة تشكل لوحدها فيلقا من المعاني والأسئلة...
أما عن شخوصها القادمين فعلا من  زمن ألف ليلة وليلة والذين يعيشون حقا " بنصف ظل وبنصف شهادة" في أغلب الحالات فإنهم ناطقون بمعاناة جيلنا وبقساوة اللحظة التاريخية التي جعلتهم ككاتب يتحركون في إطارها ألا وهي لحظة غزو الصهاينة للتراب اللبناني سنة 1982 حيث خرجوا  من ثكناتهم بالأرض المغتصبة يلاحقون صورة الفدائي أكان فلسطينيا في شكله الغالب أم قادما من  أقطار عربية أخرى مجسما للبعد القومي للقضية أم يابانيا أم فارسيا مجسما لبعدها الأممي...
ودعني أقول لك هنا أنني وجدت كلمة رواية لا تفي بوصف ما خبرته من خلال عذاباتك وسعة اطلاعك ، لأن ماكتبته يرتقي -وأنا لا أجامل - إلى درجة الملحمة وهي ملحمة تتجاوز إطارها زمانا ومكانا لتأخذ بعدها الإنساني الكامل ، فهي قد ذابت فيها فعلا " كل الأجناس" ...و" كل الأديان" ليبرز من خلال سطورها  "الإنسان" ...
وما بين شيرديل الأول وشيرديل الثاني وسرجون وأم عسكر وبتير ويافا وأبو سعد وشتاير وغيرهم يلبس الشخوص أدوارهم المختلفة والمتعددة ليقع التفريق الجوهري عند النهاية بين "راتب الجندي" الذي يجري وراءه طمعا وبين  "راتب الفدائي" الذي يقبله عن مضض تحتيما من الضرورة..و"تلهج الكلمات باحتراق الشوق بين أضلع النسيان"  وتنفجر ينابيع الحب صافية طورا وملوثة طورا آخر، وتتدخل وكالات الأنباء المحلية والدولية لملاحقة الأبطال الذين اجترحوا المعجزات في أيام الاشتباك والصدام وذلك في مطارات نفيهم الأخير بينما يملأ الخونة من أمثال سرجون جيوبهم بالذهب المنهوب من جهد الفدائيين ومن دمهم ويعتبرونه حصتهم من "تركة النضال " وهم الذين لم يشاركوا فيه إلا لتشويهه  بنرجسيتهم وبحبهم للتسلط...وتبرز من خلال الملحمة كلها عند النهاية حقيقة كبرى يجسمها ذلك الفدائي شيرديل الثاني الذي علمه الكهنة في معابد النار كيف يعانق الموت وهو يحلم بالوصول طاهرا إلى  " الدخنة" التي تعني باللغة الفارسية أبراج الصمت....و تلك الحقيقة تقول : " ثمة أحلام لا تتحقق ولكنها لا تصل إلى نهاية الخدمة"، لأن من اعتنقها يظل "على قيد الرصاصة" القاتلة يسمع أزيزها وهي التي لم تصبه ويحسب على الدوام أنها لا تزال تلاحقه وتسائله على لسان زرادشت: " ألا يجوز لنا أن نكون من أولئك الذين يجددون هذا الوجود؟"....
واتركني أجازف تفاعلا معك واستجلاء للمعنى الحقيقي الذي أراك قصدته من خلال الملحمة التي كتبتها -وأنت تقتفي  عن جدارةخطوات غسان كنفاني.-..لأقول معك على لسان " أبو سعد" هذه المرة : نعم ، إنه يجوز للإنسان الصادق أن يحاول تجديد الوجود ... وذلك "بين أسطورة التضحية وحقيقة الحلم". وهذه الكلمات الأخيرة مأخوذة من إهدائك، عشت رفيقي..

بقلم : المفكر : محمد صالح التومي / تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر