ندوة حوارية نقدية (ندوة الشهيد غسان كنفاني) بعنوان: "الأدب الفلسطيني بين الداخل والمنفى"
نظمت "بوابة الهدف الإخبارية"، ندوة حوارية نقدية (ندوة الشهيد غسان كنفاني) بعنوان: "الأدب الفلسطيني بين الداخل والمنفى"، وذلك استمراراً للقاء الشهري الذي تنظمه البوابة.
وقدّم الندوة الكاتب والأديب الفلسطيني غريب عسقلاني، وشارك فيها كل من الكاتب الفلسطيني مروان عبد العال، عبر الانترنت من محل إقامته في لبنان، وأستاذ الأدب المسرحي في الجامعات الفلسطينية بغزة د. فوزي الحاج، إضافة لأستاذة النقد النسوي د. سهام أبو العمرين، الباحثة في إشكاليات الهوية وخاصة لدى الفلسطينيين في الأرض المحتلة والشتات.
وطرح الكاتب عبد العال عدة إشكاليات يعاني منها الأدب الفلسطيني والذاكرة التي ينبثق منها هذا الأدب، مُبتدئاً بالإشارة إلى أن المشروع الثقافي الفلسطيني برمته، والشخصية الوطنية الفلسطينية ومكونات الهوية الفلسطينية، التي هي أيضاً أحد مكونات الوطنية الفلسطينية، تقف في مواجهة إشكالية "الثقافة الفلسطينية" التي تعاني من التشرذم، بسبب حالة التهجير القسري التي تعرض لها الفلسطينييون في كل أماكن تواجدهم، والتي تنعكس بوضوح على أي عمل إبداعي سواء كان فكرياً أو مسرحياً أو أدبياً أو موسيقياً وغيره.
وفي السياق، لفت عبد العال إلى جدارة التساؤل المطروح حول إمكانية استنهاض المشروع الثقافي الفلسطيني، مُشيراً إلى ارتباطه بالأزمة السياسية الحقيقية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، وتداعياتها على واقع الفلسطينيين، وما تسببته من حالة الإقصاء الداخلي للثقافة الفلسطينية، عدا عن التهميش الخارجي للقائمين على الهيئات الثقافية في أماكن تواجد الفلسطينيون وغياب تنمية أعمالهم ومشروعهم الثقافي، مُستشهداً بتجربة لجوء فلسطينيي مخيمات لبنان والتجربة الثقافية الخاصة بهم وما تعانيه من إفقار، بينما تأتي الأعمال الإبداعية، وافدة من الخارج إلى المخيم، بمختلف أشكالها.
وتناول عبد العال الأثر الذي تتركه الأزمة السياسية للفلسطينيين على كامل المشهد الفلسطيني، بما فيه الثقافي، مُذكراً أنه على الرغم من أن كل فلسطيني يحمل مأساته الخاصة في مكان لجوءه، إلا أن الترابط والتفاعل ما بين مكونات الشعب الفلسطيني وخاصة بالجانب الثقافي، هو ما يمكنه الوصول لمشروع وطني مستقيم، يشتمل على رؤية كل مكونات الشعب الفلسطيني.
وانتقل عبد العال إلى نقاش مسألة الرواية التاريخية الفلسطينية والمنفى، موضحاً أن هناك تبدلات واختلافات حدثت وتحدث في هذا الأمر بشكلٍ عامودي وآخر أفقي، فالنسبة للتبدلات العامودية، فما عاد المنفى هو المنفى ذاته الذي انطلق منه الجيل المؤسس للأدب الفلسطيني المعاصر، بل تعرض لنفي جديد، والشتات يتعرض لشتات جديد، الأول الذي يشكل ذاكرة الفلسطيني، بالنظر إلى الوطن الأم، فهناك جيل عرف وعاش في فلسطين،الآن نحن أمام جيل آخر، تكون فلسطين بالنسبة له في ذاكرة منقولة مسموعة وليست معاشة، وبالتأكيد سينعكس ذلك في الأدب، لأننا إذا نظرنا إلى كل سلسلة الشعر والأدب التي أسست للأدب الفلسطيني المعاصر كانت أدباً مرتبط رأساً بفكرة الوطن الذي كان حاضر بقوة في الأعمال الأدبية لأن أصحابها عاشوا داخل الوطن.
أما على الصعيد الأفقى، فتحدث عبد العال عن حالة المكتبة الوطنية الفلسطينية في رام الله، متسائلاً حول شموليتها لمختلف الانتاجات الأدبية والثقافية الفلسطينية، متجاوزةً الحدود السياسية والجغرافية التي تفصل أبناء الشعب الفلسطيني في أماكن لجوئهم، ويجد عبد العال أن إيجاد الجسور بين كل نواحي الإبداع الفلسطيني، وكسر الحواجز التي تعرقل مسار ترابطه ببعضه البعض، وتجاوزها، من شأنه مقاومة حالة الإنطواء الأدبي والثقافي الذي يعاني منه الأدب الفلسطيني.
وبيّن عبد العال أن الهدف من إثارة النقاش بين أوساط النخبة حول تطور الأدب الفلسطيني وارتباطه بالنظر إلى التطور الحاصل في الأدب العربي، هو حراسة الذاكرة والرواية الفلسطينية، لأنها هي مصدر الالهام لكل الإبداعات الشعرية والمسرحية والروائية.
وعرج عبد العال على البيئات المختلفة الحاضنة للفلسطيني خارج فلسطين، موضحاً أن أماكن اللجوء التي يقبع فيها، بخصائصها وانعاكساتها على اللاجئ الفلسطيني، كرست لديه مفاهيم المنفى واللجوء والابتعاد عن الوطن.
وعرج عبد العال على البيئات المختلفة الحاضنة للفلسطيني خارج فلسطين، موضحاً أن أماكن اللجوء التي يقبع فيها، بخصائصها وانعاكساتها على اللاجئ الفلسطيني، كرست لديه مفاهيم المنفى واللجوء والابتعاد عن الوطن.
بدوره، تناول د. فوزي الحاج، الحالة والمشهد الثقافي الفلسطيني المحلي في قطاع غزة، قائلاً "من المعروف في تاريخ الآداب كلها أنه كلما قويت الأمة واشتد عودها وارتفعت حضارتها قوى أدبها، وعلى العكس كلما ضعفت الأمة ضعفت جميع مناحي الحياة فيها ومن ضمنها الأدب والثقافة"، مضيفاً "لا نحتاج الكثير من التبصر لندرك مدى الضعف الذي حل بالأمة العربية جميعاً وبشعبنا الفلسطيني خصوصاً، إذ كنا شعباً فلسطينياً وأصبحنا شعوباً متعددة كل شعب يعيش في حاضنة تحت ظروف تختلف كل الاختلاف عن الحاضنة الأخرى".
وقال الحاج أن الثقافة الفلسطينية المتشرذمة في أماكن لجوء الشعب الفلسطيني تعاني من أزمة حادة، وأول بوادر هذه الأزمة هو صعوبة الخروج من المحلية إلى النطاق العربي، وهذا يتضح جيداً لدى الأدباء الشبان الذين لا يستطيعون إخراج أعمالهم خارج الأراضي المحتلة، وبالتالي كانت عمليات إظهار الأدباء الشباب وغيرهم تحدث بمحض الصدفة، مُشيراً إلى أن أدباء اليوم لم يجدوا من يسلط عليهم الضوء، وهم يصارعون من أجل خروج أصواتهم من نطاق المحلية إلى نطاق العالم العربي.
وأضاف الحاج، أن الواقع السياسي السيء أدى إلى عدم تبلور فكر ثقافي لأن المشروع السياسي ليس مشروعاً سياسياً واحداً، بل مشاريع عديدة تختلف باختلاف أيديولوجية أصحابها، ولم يعد يوجد مشروع استراتيجي ثقافي، وهذا ينعكس على الثقافة والأدب.
وفي قطاع غزة، قال الحاج، أن الوضع الاقتصادي صرف الناس عن القراءة واقتناء الكتب صرفاً تاماً، فالكل يسعى من أجل لقمة العيش بل أصبحت من أشد الأمور صعوبة، فكيف بأبٍ لا يجد ما ينفقه على أولاده أن نطلب منه أن يقرأ أدباً ويشاهد مسرحاً، وهذه الظروف هي من أعراض هذه الأزمة الثقافية التي يعاني منها الفلسطينيين.
من جهتها، تحدثت د. سهام أبو العمرين عن تساوق تجربة المعاناة الفلسطينية مع المنتج الثقافي الفلسطيني ولا سيما الابداعي، منذ بداية الفجيعة الفلسطينية.
وبيّنت أبو العمرين أن بنية المجتمع الفلسطيني شهدت أنساقاً من التحولات إثر النكبة، حيث عمليات التهجير القسري والإبادة، الأمر الذي أضحت معه الهوية الفلسطينية مُشرذمة ومتداخلة مع هويات أخرى، فـنحن "نعاني من مأزق وجودي كبير وهو مأزق الشتات".
وأوضحت أبو العمرين الاختلاف بين ما يطلق عليه "أدب الشتات وأدب المنفى"، مشيرةً إلى أن "أدب الشتات ارتبط بالخطاب ما بعد الكولنيالي ومحاولات المُستعمِر لإعادة إنتاج خريطة العالم السكاني، وارتبط مفاهيمياً بعملية التهجير الجماعي للشعب الفلسطيني من أرضه"، وأن مصطلح "أدب الشتات" هو الأكثر مناسبة للتعبير عن الأدب الذي يكتبه الفلسطينيون في الخارج.
كما انتقلت لإظهار الفارق بين فكرتي "المنفى" و"الشتات"، فالمنفى يتمثل بارتحال ذوات منفردة، وبينما قد يكون إجبارياً أو طوعياً عندما يكون نفسياً، فإنه يرتبط من ذي قبل عند ميشيل فوكو في كتابه "تاريخ الجنون"، بأن السلطة كانت تاريخياً تمارس النفي بحث "الحمقى والمجانين".
تعليقات
إرسال تعليق