إنها سيدة الجبهات جميعها*
من لا يعرفها ... لا يدرك لغز المسافة بين ضفاف بحيرة طبريا وانكسار الموج على شاطئ حيفا! ولا يعلم سر الحكاية بين جفرا "حارسة البقاء" وعينات الكنعانية "رمز الارض" ومن زيتونة عتيقة تنغرس في حضرة جلالة الجليل.. وكما باحت لها القوافي؛ فهي امرأة من وطن ومن حلم.. من الألف الى الياء ومن الماء الى الماء.. لأنها من رائحة الغمام من تَعَبٍ ومن ذَهَبٍ و من بيروت وحمص وشام..! انها سميرة صلاح..
سيدة الجبهات جميعها..
إنها جيش في سيدة و جميعهن في فدائية واحدة، تزدحم بالاسماء أحيانا تختصرهن بما يكفي ان تكون سميرة صلاح او فريال الشيخ سليم او ام ربيع.
عرفتها منذ نهاية السبعينات كنت شبيبياً في طور تأسيس منظمة الشبيبة الفلسطينية، وهي "تترك الاربعين بكامل مشمشها". ولكن بكامل ألقها ووهجها وحركتها وانتمائها ونضجها، لا تعرف السكون، تحمل كومة ملفات تحت ابطها كأنها مكتب متجول يسير على قدمين، فهي مسؤولة العمل النقابي للجبهة في لبنان وعضو اللجنة المركزية العامة للجبهة وقتها والامانة العامة للاتحاد العام المرأة الفلسطينية والاتحاد النسائي العربي الفلسطيني ثم مديرة شؤون العائدين في لبنان وعضو المجلس الوطني الفلسطيني.
سيدة الجبهات جميعها..
ترعرعت في سوريا وزمن بطولة جول جمال في 1956 وزيارة جمال عبد الناصر ومصافحتها للطالبات الفلسطينيات في المدرسة. ويكبر معها وفي قلبها وقبضتها مثل جرح الارض، لتحضر بعد مهنة التدريس لسنوات في السعودية، فتكون المناضلة التي تجوب ازقة المخيم من برج البراجنة الى مخيم العائدين الى اليرموك الى شاتيلا وعين الحلوة.
في فترة ليس سهلا على المجتمع الفلسطيني في المخيمات ان يستقبل مشاركة المرأة في مختلف مجالات العمل والعلم وخاصة مساهمتها في السياسة.
ذاكرة الجبهات جميعها..
تتلمذت في كنف مدرسة واسرة والدها الفدائي سعيد الشيخ سليم وهي بعمر الستة أشهر يوم هرّب الرصاصات "فشك البارودة" من طبريا الى حيفا في لفافتها والمسدس في شنطة سائق الباص، و بعمر السنتين، تعرض لمحاولة اغتيال برصاصة بريطانية فأخطأته واصابتها بجراح طفيفة. تعلمت ان درب الرائدات يعني ان تعرف ان الثورة الحقيقية بالمقاومة لتحرير البلاد وتحرير الانسان وهذا يكون بالنهوض بالنساء لتطوير مجتمعهن بالمعرفة والتوعية والنضال.
رفيقة الجبهات جميعها..
كان لاحتكاكها المستمر بكبار القادة الوطنيين والسياسيين والمناضلين من الحكيم الذي حرسته متخفية بزي ممرضة ووديع وغسان كنفاني وابو علي مصطفى وابو عمار وابو ماهر اليماني وهي رفيقة درب وعمر وقلب المناضل الكبير صلاح صلاح...
فما اثقل المهمة ان تكون زوجة سياسي دائم السجن والعمل والسفر ومحاولات الإغتيال والاختباء وتدخل هي الميدان السياسي ايضاً على يدها طفل يرضع وفي الاخرى كتاب "روزا لوكسمبورغ"! وترتقي بثقل المهمات الى أعلى مراتب؟! وتشارك في أهم القرارات، وعلى الكتف الاولى عائلة وعلى الاخرى مؤتمرات وطنية وقومية ودولية للدفاع عن القضية وحقوق المرأة والطفل وحق العمل والتملك وحقوق الانسان لمن حرموا منها او سلبت منهم، وهي ربة الاسرة المحفزة لخلق كثير من الجمعيات ذات الأهداف التربوية والاجتماعية والصحية.
امومة/سيدة الجبهات جميعها..
عندما تعرفها عن كثب تدرك مفهوم "الأمومة الوطنية"، امومة فلسطينية تمتاز عن الأمومة التقليدية، خزان العطاء الذي لا ينضب والام (اللي بتلم) ، تسير على تخوم (ام سعد، غسان كنفاني) ودالية المخيم التي برعمت وتخاف عليها من الذبول و(ام مكسيم غوركي) الأم التي أحبَّت الأبطال كأبنائها وضمتهم بعطفها، يتحول دورها الى الاهتمام والرعاية بالأساس نحو الوطن ورفاق الدرب واهل المخيم وابناء شعبها، فيصبح وجودك كابن البيت والعائلة، وهي شريكة في الانفعال وحدة النقاش الخلاف الذي لا يفسد للود قضية، لتصبح مهمة تقريب وجهات النظر والبحث عن حل يتجاوز المحن والصعاب بقلب رقيق خالي من التشاؤم وضحكة البحر الواسعة فينال كلٌ نصيباً من قبلاتها وعناقها وبعض ذكريات الصبى والحب الذي بدأ من مساعدة رفيقها صلاح وزوجها لاحقاً على الفرار من سجن حمص المركزي عام ١٩٦٤، ثم تستدرجك بعد دعاية وغواية الى مائدتها المميزة بطبخاتها الشهية.
وعلى جبهة اخرى واخيرة:
كنت مرة معها في مقابلة اذاعية ثقافية قرأت يومها عبارة لبطل روايتي: "من لا يسعه وطنه فالعالم بأسره لا يكفيه.." نظرت في عينيها وقرأت معنى دمعها .. لأنها على عهد الشوق ونبض فلسطين، كانت ولم تزل.
شكراً للمنتدى القومي العربي.
الذي سمح لنا ان نطبع على جبين هذه الامسية وشم من ذكرى ومن صليل النضال. الى الفلسطينية بلا حدود ، للرفيقة ام ربيع جدارة التكريم والاحتفاء و لها منا عناق من وفاء وبقاء.
———
* نص كلمة مروان عبد العال ألقيت في تكريم سميرة صلاح ضمن تكريم المنتدى القومي العربي للامناء على العهد القومي: الثلاثاء في ١٥/١/٢٠١٩ /دار الندوة -بيروت
تعليقات
إرسال تعليق