تقديم لكتاب وليد ابو دقة حكاية سر الزيت

مقدمة 

تدخل من خلال "حكاية سر الزيت" متخفياً الى عالم وليد دقة، عبور عجائبي الى "سجن الجلبوع" في نص أدبي يخترق قرار المنع الأمني ولا يحتاج لتصريح زيارة، لتدرك من خلاله أن "وليد دقة" ليس مجرد أسير مقيّد، ويقوم بفعل ارتكاسي وتسكنه الإحباطات والمكبوتات، أنما هو يمثل تيار الوعي الذّاتي والفعل التحّرري، كي يتحرّر هو أيضاً، كما يقدمها بقوله: "أكتب حتى أتحرر من السجن على أمل أن أحرره منّي". 
لذلك أجد إبن "باقة الغربية" وقد وقف بقوة وراء يقينه النهائي، ليُعلن لنا ولادة "فوتشيك فلسطين"، كأمتدادٍ  للروائي اليساري يوليوس فوتشيك الذي كتب من سجنه النازي رواية "تحت أعواد المشانق"، مُطلِقً إضافته الروائية وبلغةٍ سرديةٍ ممتعةٍ، بتفاؤل وإرادة تولد بدلالاتها وإستعاراتها أيديولوجية ثورية جديدة، كونُه أدب مجبول بطين الارض وملح البحر وبالزيتون والزعتر والألم والامل.
سيجد القارئ في"حكاية سر الزيت" فلسفة التحدي من عتمة الزنازين ورطوبة الجدران والقهر. يجعل من رمزية الابن "جود" نموذجاً نضالياً جديداً، إذ يختفي كي يتحرر، ويهديها الى "كل البالغين الذين حرمهم السجن طعم الطفولة" في حكاية محورها قوة الأمل، لأن أعز الرّجال وأكثّرهم وطَنيّة وحُرية وكَرامة من تجدهم يتسلحون بقوة الحلم والثقة بالذات وبالمستقبل.
تلك القوة السحرية لشجر الزيتون الرومي العتيق وزيته المقدس، الموصوف كعلاجٍ شعبي لكل وجع، ويلجأ الى "الخيال" الذي يُضفي على الأدب قيمته الجمالية بأشكاله المختلفة.  نموذج البطولة في روح الانسان الذي ينغرس في الارض، ليعطي للحرية مفهوم جماعي قبل أن تكون استقلالاً فردياً، كرفاقه الأسرى الذين أبوا أن يستبدل احدهم حريته الشخصية بحرية وطنه. 
سرديات إنسانية مغزاها الحُرية الجماعية وعلى مستويات مختلفة، قد تصل الى حد إشتعال ذاكرة الأرض وناسها بإستنطاق كل ما يدب عليها مِن حجر وبشر وحيوانات ونباتات، لتجتاز كل ما شابها من عقبات وخيبات وتشويه طالت مرحلة بكل مكوناتها وأدواتها، ليعوّل هذه المرة على الصّغار أن يحرروا المستقبل من براثن الجهل والتخلف.
حكاية سر الزيت، لا يمكن تفويتها،  فهي حكاية بسيطة شيّقة وسهلة ولكنها عميقة وممتنعة ومتينة، وهي ليست مجرد أدب السجون فحسب، وإنها مكتوبة لتنفيس الهموم او كوسيلة للخلاص الفردي، بل هي جزءٌ أصيل من أدب المقاومة، أدب يكتبه من يخوض التجربة، يكتب نفسه وليس عنه، هو الأسير والروائي والشاهد والبطل والمناضل.
والحكاية هي رسالة كاتبها، مفادها، ان هذا الجيل سوف يأتي من رحم الصيرورة المبدعة، يتحدى بالكتابة والفكر وبالعلم، يختمها بالحوار التالي:
"البحث العلمي رح يحولها لنوعية"
"علشان شو"
"علشان نحرر أقدم أسير عربي" 
"مين هوّي؟"
"المستقبل يابا، المستقبل".
هو لا يريد أن يستجدي ضمير العالم بل يريد أن يحرّر المستقبل، بل أن يحرر الحياة. لندرك من جديد إنّ الادب بهذا المعنى هو مرور إلى الحياة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء