سر الزيت و التحرر من الجهل !

 
اسعدتم مساءًا
شكر وتحية : 
الى الأعزاء في اتحاد الكتاب العرب الذي يشرفني أن اكون على منبره معكم في  دمشق العروبة وام الحواضر ومدينة المدائن وتحية. موصولة الى لجنة الاسرى في الجبهة الشعبية التي كانت سببا للمناسبة واللقاء بكم على موعد جميل  لميلاد كتاب "حكاية سر الزيت ".
ان تتحدث عن اطلاق وولادة كتاب امر يسعد القلب، وان تقدم لكتاب كما شرفني الرفاق ان اقدم هذه النسخة فهو امر عسير.. لاني مازلت اؤمن ان الكتاب هو افضل من يقدم نفسه. وليس من موقع السجال حول ما يكتبه الاسرى ومنحه قدسية خاصة، مستمدة من ظروف السجن فهذه تعتبر  نوعاً من التحدي من فقدان الاوراق ومصادرة الأقلام، وحرق مقتنيات الأسرى.. الخ. لكنها ليست وحدها من يحدد نوعية الكتابة وقيمتها الابداعية. فأدب الاسرى  يعتبر رسالة نضالية كما هي ماركة فلسطينية مسجلة، طالما الادب هو علم جمال بل وفن المقاومة بوسائل اخرى.  
واسمحوا لي على عجل، أن أضيف، أو أن أفكك بعض الأسرار الفكرية، قبل وفي وما بعد والرواية. في حالة وليد دقة نحن لسنا امام كاتب عادي او فردي، بل هو كائن تاريخي وقامة ثقافية تتحد فيه البنية الفكرية والسياسية والفنية، ينتمي الى مشروع تحرري جماعي متكامل لا يمكن تجزئة مكوناته الى جزر متباعدة او فصلها عن سياقها المنطقي. التي يمكن تسجيلها بالنقاط الثلاث التالية:

1. من خارج الرواية: 
محاولة لقراءة البعد الفكري  في ثنائية متناقضة في الجمع بين اللايقين والقهر. وإن السجن الحديث بصورة عامة ليس سيطرة وحجزًا للجسد فقط، وإنما سيطرة على زمن الأسير، والوسيلة الجديدة هي: "الحداثة السائلة" حيث قدم  وليد في اطروحة فكرية سابقة ان الفهم الأعمق للإحتلال ما بعد أوسلو، تحول من الإحتلال المباشر الذي يمثل مرحلة "الحداثة الصلبة"، فيما الإحتلال اليوم يمثل المرحلة السائلة وكان قد شبهها في دراسته "صهر الوعي" بالاحتلالٌ الشموليٌّ. وسلط الضوء على أحدث النظريات في الهندسة البشرية وعلم نفس الجماعات المستخدمة ، بهدف التلاعب بالوعي وبتفكيك قيمه ومكوناته الوطنية الجامعة و حذر بشدة من هذه النظم العلمية ومنطقها العقلي التي وضعتها "إسرائيل" والتي شبهها إلى حد بعيد بحالة الابادة السياسية "بولي- سايد". ومشبها نظام السيطرة في مراقبة السجين والمواطن الفلسطيني والسيطرة على حياته بالكامل تمامًا كـ"الأخ الأكبر" في رواية جورج اورويل (1984).
كما استند الى ميشال فوكو في "التشامل"  والبعد الحداثوي الخفي للتعذيب، اضافة الى "عقيدة الصدمة" لنعوم كلاين حول تبيض الذاكرة، وكشف التشابه بين السجون والمعازل في الأراضي المحتلة بما يفيد في حل الإشكالية المفاهيمية في توصيف الحال الفلسطينية. 
لا ينتهي الشبه بين السجن الصغير والسجن الكبير فلسطينيًا عند هذا الحدّ. وعززها في اجراءات لتحويل بعض ممثلي الأقسام من العصافير إلى "كابو". ووصفها تشابه بالقراءة الخاطئة والمعالجات التقليدية العاجزة عن النهوض بالقضية الفلسطينية كما هو النهوض بقضية الأسرى.

2. في الرواية: 
حكاية سر الزيت وكلمة حكاية كلمة أصيلة في العنوان، وهذا يجعل الكتاب مقدماً لميثولوجيا شعبية خاصة، وكأنها تروي حكاية شعبية خاصة. في خضم محاولات السيطرة على الموروث الشعبي الفلسطيني. معجونة من خيال طفولي، بلغة سهلة واضحة مباشرة، لا تحمل كثيراً من التأويلات، لكنه يغذي خياله الخصب من خلال ابتداع عالم خاص بالطفل، بالحوار المباشر مع الحيوانات، الأرنب، الكلب، الحمار  والقطة والشجرة، وقد كان لهم استراتيجية واحدة، يؤدي كل منهم اسهاماً في وصول جود  إلى أبيه في السجن، كذلك فقد استخدم الكاتب الأسطورة، والحكاية الشعبية، حول شجرة عجوز ( ام رومي) يكمن السر في زيتها، وهذا يعيد إلى الذهنية الفلسطينية كل الحكايات الشعبية المتوارثة حول الأشجار والمغر والكهوف وغير ذلك. مغزاها ان  الحرية مفهوم جماعي قبل أن تكون استقلالا فردياً، فأبوا أن يستبدلوا حريتهم الشخصية بحرية وطنهم. الوحدة الحقيقية التي تؤسس لشراكة وطنية جماعية تنتصر لارادة المقاومة. تنتصر الحرية في النهاية الكامنة في العِلم، العِلم الدواء الذي يقضي على الوباء الذي هو فقدان العقل والجهل، وفقدان الأخلاق. الجهل اخطر السجون وهو قادر على تحويل عقلك ومستقبلك الى زنزانة.  دعوة للتحرر من التخلف، فلابد من التحرر من الجهل اولاً.

3. وبعد الرواية: 
نحن امام أيديولوجية ثورية ابداعية، فلسفة خاصة من طراز جديد و معجونة بطين الألم والامل، وعتمة الزنازين ورطوبة الجدران والقهر، ومواجهة احتلال العقل وتدمير قيم البطولة والمجد والفداء ورمزية المقاومة عند كل من "أدرك الفكرة ولم يتخلى عنها". انطلق وليد دقة منذ سنوات بمسرحية "الزمن المتوازي"،  الزمن  الذي تجسد  كعمل  ابداعي  على خشبة مسرح الميدان في حيفا. ودراسته الفكرية الجادة "صهر الوعي" والان يطلق مشروعه الحكائي كفعل ثقافي مقاوم، والاّ لما واجه هذه الرواية الكثير من المطاردة الصهيونية في باقة الغربية، كانت الشرطة تلاحق الأشخاص الذين يوافقون على حجز القاعات للتوقيع والاشهار، ويتراجعون حتى اضطر رفاقه  لتوقيعه في بيت والدة وليد، سر الزيت هي واحدة من ثلاثة  وسيتبعها حكاية سر السيف وحكاية سر الطيف، ويتم حالياً ترجمة الكتاب إلى العبرية.
 الجبهة الثقافية التي هي اخر القلاع  كما اسماها  الحكيم جورج حبش  والتي تبلورت في ابداعات  من حول السجون الى اكاديميات بل قلاع  ثقافية ، ومنهم القائد احمد سعدات في كتابه (صدى القيد) وكميل ابو حنيش الذي اصدر مؤخراً رواية "الكبسولة" ومراسلات ودراسات اخرى، مثل عميد الاسرى كريم يونس ، والاسير باسم الخندقي  الذي اصدر مؤخراً رواية "خسوف بدر الدين"  ورواية "حسن اللاوي" للاسير المحرر اسماعيل رمضان ومؤخراً مخطوطات فارس الحلم للمناضل المحرر محمد النجار وكذلك من كتب السجن بعد تحريره  مثال الشهيد سمير قنطار. كما افصح الاعزاء في لجنة الاسرى عن وجود كنز ابداعي من ١٥٠ عمل موجود في حوزتهم وينتظر  النشر او اعادة النشر .
وانهي كلمتي بما أورده في الصفحة الأولى: 
 (أكتب حتى أتحرر من السجن ).

 مروان عبد العال


كلمة في اطلاق حكاية سر الزيت لوليد دقة / في مركز اتحاد*
 الكتاب العرب / فرع دمشق 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء