نهر البارد لا يلدغ من جحر مرتين

مروان عبد العال : نهر البارد لا يلدغ من جحر مرتين


يصعب تفسير وجود قسم لمتابعة شؤون (مخيم ) في سفارة لدولة على أراضي دولة أخرى، ولكن الوضع في سفارة دولة فلسطين مختلف مع وجود قسم لمتابعة شوؤن مخيم نهر البارد الذي دمّر في الحرب التي دارت بين الجيش اللبناني ومجموعات سميت )بفتح الإسلام(، والتي دفع ثمنها أهالي المخيم تهجيراً ولجوءاً إلى المخيمات الأخرى إلى حين إعادة الإعمار. حول هذا الموضوع ومواضيع أخرى أجرت لجين العبسي مقابلة مع المسؤول المتابع في سفارة دولة فلسطين الأخ مروان عبد العال (مسؤول متابعة ملف إعادة إعمار مخيم نهر البارد) وبحثنا معه بعض الأسئلة وهي كالتالي:

1- أين وصل ملف نهر البارد؟ وماذا عن دوركم في متابعة هذا الملف مع الجهات المعنية؟

بما يحدث الآن، لا يمكن عزل ملف نهر البارد عن كل التطورات التي تجري، أولاً في ظل غياب سياسي كامل، في ظل فراغ على أكثر من مستوى، وبداية الحل تكمن أولاً مخيم نهر البارد ممول إعماره من جهات دولية، وثانياً أحد شروط الأعمار أن يكون هناك إستقرار أمني حتى كل القضايا اللوجستية كيف ستستمر؟ الآن وصلنا إلى نقطة صعبة جداً.

ولكن نحن الآن أصبحنا على السكة وكان هناك إنطباعات كثير رائعة، بالأمس عندما كنا في مناسبة ذكرى مرور 5 سنوات على كارثة البارد ، المناسبة كانت على أرض المخيم القديم في الأحياء الجديدة التي تم بناءها وكنا نقول هذا هو( نهر البارد خرج من تحت الرماد)، كنا نقول للناس صبرتم وحصدتم والآن نلتم كعائلة هنا ، وهذا لم يحصل لأي مخيم آخر. وبالتالي هذا لم يكن ليحصل لولا كل المتابعات التي جرت على كل المستويات كل في مكانه، الناس للأسف الشديد تعلق كل شيء على الأخر لا يوجد أحد يقول أنا المسؤول دائماً يعلق شيء على الآخر، أين القيادة وهم يريدون القيادة أن تكون في الشارع وهذا ليس مكاننا يجب أن يكون هناك تناغم في العمل وتقسيم وظائف، ولكن في نهر البارد هناك محاولة تشويه للأدوار وهناك معيقات كبيرة في مسألة إعمار نهر البارد ولكننا تغلبنا عليها فكان هناك أمل وتفاؤل وضع ملف الإعمار على السكة الصحيحة وأيضاً لا نستطيع أن ننسى صبر الناس علينا وقدرتها على التضحية وأيضاً المتابعة على المستوى الديبلوماسي والسياسي والفني والجماهيري وعلى مستوى الرقابة الشعبية واللجان الشعبية، ولكن للأسف لا نستطيع أن ننكر بأن العمل بطيئاً يتخلله بعض المعيقات ووضع عثرات في وجه إعادة الإعمار وأحياناً عجز على تأمين متطلبات الناس وهي كثيرة في بعض الأحيان، وأيضاً لو فعل الكثير من المؤسسات الأهلية والأونروا والفصائل سيبقوا مقصرين لأن هذه صدمة إجتماعية كبيرة لأول مرة تحدث بأن مخيم يشتت بالكامل في ليلة وضحاها وثم يعاد إعماره.

نتكلم مع الأونروا وتقول نحن صدمنا بهذا الحجم ولكن نحاول تلبيته، ومن المعروف بالحكومة بأن هذه أول مرة تشتري أرض وتقوم بالإعمار عليها للفلسطينيين فلم تنص القوانين على هذا الشأن. أما بالنسبة لنا كفلسطينيين هذه أول مرة نتشتت كلاجئين في نهر البارد رغم أننا دفعنا الثمن كبير في الحرب الأهلية ولكن هذه أول مرة تحدث في نهر البارد.


2- كيف تصفون الرزم التي تم تسليمها من ناحية البناء والجودة؟

كانت أول شروطنا بأننا نحن نريد أعمار البارد لكافة الناس وهذا الشيء بدأ، أما المسألة الثانية بأننا نريد الإعمار وفق النسيج الإجتماعي بمعنى أننا نرفض أن نعيد إعمار لأي شخص يقرر الأخرون مكانه نحن فقط نقرر أين يكون الإعمار وخاصة في مكانه الأصلي لنحفظ الأحياء بمسمياتها وليس بأرقامها، مثل حي سعسع وصفوري الأحياء كما كان تركيبها، وأيضاً كان هناك شروط للدول المانحة التي تمولنا بالمال بأن يختار الأهالي مساحة بيوتهم وفق المساحة المحددة لهم، وهذه عليها ملاحظات كثيرة أولاً بأن المساحة المحددة لهم في السابق كانت أكبر من المساحة الحالية ولكنها لم تكن صحية لم يكن يدخلها الضوء ولم يكن يدخلها الهواء وكانت نسبة الربو والأمراض حسب التقارير الصحية التي تأتي كانت مرتبطة بطريقة السكن في نهر البارد، لهذا فعملية تحديد المساحة بأن تكون أصغر من المساحة السابقة لهذه الأسباب.

هناك ملاحظات في الرزمة الأولى تم الإستفادة منها في الرزمة الثانية وهناك شيء جديد تم الإستفادة من الرزمتين السابقتين في الرزمة الثالثة. في الرزمة الأولى كنا مضطرين بأن نبني بأي طريقة وكان هناك متعهد مستلم للرزمة كاملة أما الآن فهناك تقسيم مهام، في الرزمة الأولى كان مطلوب منا التسريع فبدأنا نسرع في البناء على حساب المواصفات، وكنا نقول دائماً ليس من المفروض بأن نسرع لأن المواصفات لن كون ذو جودة عالية.

أما الآن فهناك محاولة من الأونروا وفق الإجتماعات التي قامت بها الأونروا مع اللجان الشعبية ومع الأهالي بأنهم لن يأخذوا رزمة كاملة بل تقسيم الرزم إلى أقسام N1 N2 ......إلخ، وليس بشرط أن ننتظر رزمة جديدة، وبالتالي هناك مسائل لها علاقة بالمواصفات صحيحة ولكنها أخيراً لو بنيت الجنة ليست أجمل من فلسطين. و مساحة البيت ابدا ليست أهم من رجوعنا إلى فلسطين؟



3- ما هو واقع نهر البارد بعد العام 2007؟ وهل تأثر المخيم بالطبيعة الجديدة من ناحية المباني؟


بالنسبة إلى الطبيعة الجديدة الأمور أفضل من السابق، الآن المخيم ببنى تحتية جديدة بمواصفات جديدة وبطبيعة قانونية أفضل، ولكن نجد أن بعض الناس لم تتقبل الوضع الحالي وهذا يرجع إلى السايكولوجيا بمعنى أنه لو كان عند الناس سجادة قديمة يمكن أن تساوي عندهم قيمة كبيرة، نحن الآن نحاول إعادة بناء النسيج الإجتماعي و إعادة بناء الروح الفلسطينية والفضاء السياسي الفلسطيني، ودونهما لا قيمة لاعمار الحجر دون البشر ، اعمار النفوس والمجتمع وترميم الذات الفلسطينية ، والشخصية الحاضنة لنضالنا وهويتنا وبقاء الذاكرة والحلم ، اي بناء لا قيمة له ان كان سيقضي على الفضاء السياسي ولنصبح بعدها مجرد كم بشري واعداد بلا قيمة ولا قوة سياسية.
4- يعتبر نهر البارد من المراكز الحيوية للإقتصاد في الشمال، ذلك قبل العام 2007، هل تعتقد أن البارد سيعود ليلعب دور جديد أم أنه فقد هذا الدور؟


بإمكان البارد أن يلعب هذا الدور الاقتصادي من جديد، ولكن الآن دوره معطل لانه في العزل ألامني ، وبحكم أنه يعاد إعماره، ولا يمكن القول بأن البارد فقد مواصفات أهله ومكانته الطبيعية ودوره في التجارة والقدرة على الإنتاج، ولكن نهر البارد الآن يعيش تحت حالة عسكرية وهذا سبب أساسي بأنهم لا يعيشون حياة مدنية وهذا سبب بأنه لم يعد هذا السوق المنتظر، ولكني متأكد عندما يتم رفع الحالة العسكرية سيعود إلى مكانه التجاري لأننا لسنا شعب متسول، شعبنا تحت كان يأخذ لقمته من تحت البلاطة، شعب قام بإعمار بيته بجهوده، فقد قام بالعديد من الصناعات كثيقة وخفيفة على أكثر من مكان، قام بتجارة كبيرة وأندية وحياة إقتصادية أدى إلى قيام سوق في المنطقة، فأنا أعتقد بأنه سيقوم من جديد من تحت الركام وهذا شعب حي قادر على الإنجاب وليس بشعب عاقر.

5- شاهدنا منذ يومين أحداثاُ أنضرت بفقدان صبر الأهالي وتحميلهم المسؤولية إلى الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية على إستمرار الحالة العسكرية في المخيم رغم إنتهاء المعارك منذ 5 سنوات، كيف ستعالجون الأمر مع الأهالي والدولة اللبنانية لتهدأت الأمور وإنهاء الحالة العسكرية وإلغاء نظام التصاريح؟
لم نصمت يوماً على مسألة إلغاء الحالة العسكرية على المخيم، كنا نعتبر أحد الأسباب التي تؤدي إلى تعزيز ثقافة العزل ومشاعر الإضطهاد عند الفلسطيني أنه يشعر بحالة الإحتجاز وأن هذا التصريح متعلق بكرامته ولا يوجد هناك تواصل مع الجوار كأنه مخيم معطل.

هذا لم يتوقف مرة وكان هناك وعود كثيرة بالتخفيف وقد تم التخفيف ولكن لن نستطيع أن نطبق ما نريده نحن لأن هناك أمن بلد، فالنساء بدأت تدخل المخيم بدون تصاريح، وكان هناك إلغاء التصاريح لكل شخص يكون عمره فوق ال 60 هذا قبل كل شيء يحصل، وكان هناك وعود لوجستية قريبة تقتضي بإلغاء نظام التصاريح والدخول على البطاقة فقط، نحن لا نريد وجود حالة عسكرية ولكن نرفض وجود فراغ أمني يمكن أستغلال المخيم بلا أي سبب من الأسباب مما يعيد دماره مرة أخرى. وبالتالي هذا مخيمنا ونخاف عليه لا نذهب كما يريد الأخرون، يجب أن يحترموا تجربتنا القديمة الكبيرة، يجب أن يحترموا عقلنا ورؤيتنا لكل التطورات بدقتها التي تجري على مستوى المنطقة العربية، على محاولة دائمة كفلسطينيين بأن نكون الخاسر الأقوى للإتكاء عليه وتدفيعنا أثمان أشياء لا نريد أن ندفعها لأهالينا، الآن قد نشتم ولكن لن يشتمنا التاريخ وأنا متأكد تماماً. أحياناً نضطر إلى إتخاذ سياسة غير شعبية ولكن ستظهر مصداقيتها، لأن هناك من يريد إشعال الفتنة وإذا لم أشعلها معه لن أكون بطل؟؟؟ّ!!! ليسمن يطلق النار على العزل بطلا وليس من يقطع الطريق بطل .أنا مع الحوار السلمي الديموقراطي وأيضاً مع الإحتجاج الشبابي السلمي والإعتصامات السلمية، ولكن أنا ضد إستخدام العنف، وهناك فرق بين السياسة كموقف والسياسة العميقة، السياسة العميقة يمكنك أن ترى وتقرأ المقدمات التي صنعت التوتر وعملية المتراكم التي أحدثتها في نفوس الناس ، أما السياسة في الموقف فهي تكون بالبحث عن الطريقة للمعالجة والاحتواء او لتفجير ذلك التوتر وإستخدامه.

دائماً أقول للشباب، يا شباب لك حق في التوتر ، لكن عليك عدم السماح لاي كان بإستخدام توترك ، عندما تستخدمه في لحظة لا يكون هناك تفكير عقلاني بل تفكير غريزي، وبالتالي نذهب إلى أماكن وموافق صعبة لا يمكننا الخروج منها.

أقدر الحس الطيب الجميل والشعور الظلم الذي يتمتع به شباب نهر البارد وأعرف جزء منهم وهم أهالي مخيمي. وقد كبروا في ظروف غير طبيعية ، ولأنهم تربوا في هذه ظروف إستثنائية وهم بأمس الحاجة الى العودة إلى الحياة الطبيعية، هذا أحد أسباب العلاج بأن المعالجة يجب أن لا تكون أمنية من قبل كل الجهات المعنية والإجراءات ليست أمنية والمسألة تحتاج إلى قرار سياسي يتعاطى مع الفلسطيني بإحترام وكرامة وبذلك يجب على الفلسطيني كذلك ان يقدم رسالة و أن يتعاطى بإحترام لكيان الدولة اللبنانية، نحن لا نريد أن نكون عبئا ولا إمتداداً لأحد سواء كان طائفة أو قوة في هذا البلد. لن نكف كقوى سياسية وعلى رأسها سفارة دولة فلسطين و القيادة السياسية ومعنا كل ابناء نهر البارد عن النضال سويا ويد واحدة حتى عودة المخيم وليس بالعودة اليه فقط... عودته كبناء وكرامة ومساحة حلم تشع دائما بطريق العودة لفلسطين.
6- أين واقع السفارة الآن في هذا المسألة فهي موجودة بين الدولة اللبنانية والأهالي الفلسطينيين؟
السفارة الآن لها دور دبلوماسي ، كقوة تمثيلية ومعها قيادات العمل الفلسطيني ومنظمة التحرير وملف إعادة إعمار نهر البارد ، نرى في الكثير من الأحيان الأهالي يحملون الملف أكثر مما يحتمل، لجنة المتابعة لإعادة إعمار نهر البارد تتكون من اللجان الشعبية والفصائل والقوى السياسة الموجودة على الأرض وبعض الشباب الفنيين الذين يتابعون جانب من الملف، هي لم تنقطع مرة واحدة ولم تنم والمخيم أخذ أعصابنا كلنا، فالملف قدم العديد من الشهداء وقدم دم الشهيد كمال مدحت ومن العيب أن لا نقف مع شعبنا في وقت صعب وعلى شعبنا أن يقدر هذا الموضوع، ونحن كقوة وقيادة سياسية موجودة نستند على قوة هذا المجتمع. من سيضع تناقض بين المجتمع والقيادة السياسية؟ ولماذا؟ وهل هذا يخدم مصلحة المخيم؟؟ أنا أعلم بأن هذه الأسئلة تدور في رأس كل منا

نحن قدمنا دماء كي يكون لنا إنجاز إسمة قيادة سياسية ومنظمة التحرير، وإذا كان هناك أحد ما يبكي على كرامة فالكرامة صنعتها الثورة، وعندما ضعفت فقد ضعفت هذه الكرامة، ولكن ومن يريد إسقاط الأمن الآن لن ينل الكرامة بدون قيادة وثورة.

7- هل دور الأونروا والمؤسسات الأهلية كان كافياً؟ أم أن هناك تقصيراً؟
بالتأكيد الأونروا تقوم بمهام الإغاثة والإعمار وهذا عبء عليهم، الحديث عن تقصيرات الأونروا لا يعني بأننا لا نريد الأونروا، ويمكننا أن نتكلم عن تقصير الفصائل وهذا أيضاً لا يعني بأننا لا نريد الفصائل. في مرة من المرات جاؤوا ليحرقوا مكاتب الأونروا في مخيم نهر البارد، ولكن لولا الأونروا لكانت هذه الناس ضاعت في الشوارع، فالأونروا هي من قامت بالإغاثة من حبة الأسبرين إلى كل العمليات 100%، إلى دفع أجار البيوت لأبناء المخيم، كل هذه الأشياء قامت بها الأونروا من خلال دول أوروبية مانحة، فلذلك عندما أنتقد تقصيرات هذا يعني أنني أنتقد سياسات ولا أنتقد أشخاص أو دور، كما الدولة اللبنانية لديها تقصير ومنها غياب لجنة الحوار، أين لجنة الحوار من هذه الأحداث؟ نحن لجنة المتابعة جزء منها والسفارة على صلة مباشرة معها، ولكن عندما إستقال رئيس لجنة الحوار غاب دورها مما عطل تواصلنا مع القيادة السياسية اللبنانية، فماذا نفعل في ظل هذا الغياب؟

المسؤول الفني في الحكومة في قضية الإعمار أيضاً إستقال ولا يوجد بديل له، وإيجاد تفسيراً لما يحدث وليس بمعنى عذر وذلك لوعي الإشكالات لفهمها ولمعرفة كيفية إيجاد حل لها، نحن نتقد أحد لنصلحه، ونرى خطأ ما لإستيعابه لإيجاد الحل له، ولكن يمكننا أن نؤدي بالخطأ إلى خطيئة والمصيبة إلى كارثه، هكذا لا نكون أنجزنا شيء غير أننا دفعنا الثمن أبناءنا وليس شيئاً آخر.

8- ما هي كلمتك الأخيرة لأبناء نهر البارد في هذه الأحداث
نهر البارد يجب أن لا يلدغ من جحر مرتين.

بالتضامن والتعاضد والتلاحم نحمي كرامتنا ومخيماتنا ونقول لأي كان : نحنا مش بنك دم.


حاورته: لجين العبسي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر