فلسطينية على سن ورمُح


                                                                                                                  مروان عبد العال *

الكنعانية إمرأة لا تحصى ولا  تُعد ، لأنها ليست امرأة واحدة ولن تكون ، زغرودة مستمرة ومجتمعة في نسق يزدحم بصدى أصوات عُليا. تنبض في سر الحنين المتشعب في أزقة المخيمات، أو تسكن حكاية قديمة يتلوها وطن يتوارى غيلة وراء حواجز الموت وجدرات العزل ومعبر القهر وقوائم الانتظار. وصف غسان كنفاني أم سعد بقوله " لم تكن أم سعد إمرأة واحدة" أجل هي شاهد  بالحلم المجرد والحياة المعاشة على شهداء كانوا وبعضهم كأنهم شهداء ، لتكون الحقيقة بلا قناع أو تزييف.
الكنعانية ليست واحدة هي حشد من تضحيات وجيش من ذكريات وجحافل من أحلام ، تستقر في الروح كما أطياف الوطن في العينين. اعذري ازدحام الكلمات في موسم مل الناس من البعض  الذي أدمن الحضور وقرفت العامة من الذي امتهن فن الاستعراض ، في قاموسها يكون المديح  شكل من وشاية مثخنة بداء الانانية. تكريم مستحق الى  روح المرأة المتقدة نارها كفاحا لحرية ذاتها ووطنها ، فهي حتما كنعانية بلا حدود. يظل تكريمها في سحنتها الجليلية الترابية اللون ووسامها كبرياء المرأة المناضلة ودرعها هذا الشال الفلسطيني الاصيل.
هي ابنة المخيم ، الاتية من رحم النكبة ، فتاة متوجسة من خطر محتمل ربما  يقع ! ومعاناة تشبه القدر ، ودائما "اللهم نجينا من الجايات".  دراما انسانية مترعة بالحزن ، تقرأ تفاصيل الحدث  باحداثيات إلسنة بسطاء الناس العميقة والرفيقة . تلوم المأساة ولكن لا تستسلم لها. بخطى وئيدة،  وبحذر ثوري مريب وجرأة نادرة ، تكسر بخفة قيود وذهنيات وتقاليد بالية ، لتؤسس لعمل نسائي واجتماعي ونقابي وثم سياسي ، تسهم مع من سبقوها في العبور بالمرأة من الانثى "العورة "الى "الثورة".  تمردت على شيخ العشيرة وشيخ القبيلة وعاندت شيخ الطريقة  بانواعها الدينية أو التنظيمية، وتتمرد على كل عقلية تريد اعادة التاريخ الى الوراء. وفي مجتمع أبوي اعتبر فيه السياسة للرجال فقط. استطاعت ان تكون قائدا  و في المجلس الثوري ووسام على صدر فتح  في يوبيلها الذهبي ، واضافت بحضورها للعمل الوطني في لبنان نكهة مميزة وخاصة ، سمت بفهوم الفعل الوطني فوق الفصائلي وفلسطين اعلى من الاشخاص.
في البدء كان المخيم ، الجدار شاتيلا والحارة شاتيلا والزقاق شاتيلا والبيت والحصار وشاتيلا علي ابو طوق والحصار الاول والثاني والمجازر بأحجامها ومقاساتها ، الجماعية والنثرية .تحمل الجرح نضالا يجول على المخيمات شمالا وجنوبا ، همها كيف تصون تشردها ودمها ولقمتها وكرامتها وحلمها بفلسطين. وكلما تمادى الألم  وضجت الطرقات بانين الغربة وزحفت فلذات اكبادنا على رؤوس البلاد، وهبت مواسم النزوح والجروح في ملامسة  ملح البحر ، كي لا تبتعنا الارصفة. تصير مهنتها الرسمية ، تربية الامل ، تضميد الجراح واعالة من فقد اللقمة وحبة الدواء وعندها تنسد سبل المؤسسات فنقول بمزاح ، لا يوجد حل الا عند " الام تيرزا" ..
نفتخر بتعبك وقلبك وهوية  واضحة كالشمس كالتي  وزعتيها مطرزات نسائية من المخيم الى كل العالم ، في احتفالك الاسطوري حتى العشق في سبيل تثبيت شرعية البقاء وحقيقة الوطن. في كل زيارة تختلسها الى هناك يكبر في عيونها الوطن ولكن يتسع جرح المنفى أكثر.  هي القتيل الذي يسخر من القاتل، ّوالضحيّة التي  تكابد كي لا تتكرر مأساتها ثانية وثالثة ، هكذا همسنا سويا في عودتنا الى مخيم نهرالبارد بعد ان وضعت الحرب أوزارها ، سألنا كم مرة سنشعل الشموع على ركام مخيم جديد.. ؟؟ هل لان الوطن  ضاق ذرعا من المنفى. ؟ نفتخر بك إسما وحلما وهوية ، وأشهد بالتجربة أنك فلسطينية على سن ورمح. وان اللقب الرفيع الذي يليق بك وبل الاسم العربي الصريح والفصيح  والاصيل هو : الأخت آمنة جبريل.

* ألقيت  بمناسبة تكريم الاخت المناضلة امنة جبريل  عضو المجلس الثوري لحركة فتح ، بدعوة من الحملة الاهلية لنصرة فلسطين وذلك في دار الندوة / الحمرا/ بيروت 6/1/2015




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء